اسمه ونسبه: هو يوسف بن محمد بن عبد الله بن علال بن منصور بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن تميم الزَّهيلي، الشّهير بابن الغمّاز. والزهيلي نسبة إلى زهيلة ضواحي بادس.
مولده وطلبه للعلم: ولد أبو يعقوب ببادس يوم الثلاثاء 17 ذي الحجة عام 640هـ وبها نشأ وتعلم. ذكر الأوربي أنَّ أسرة المترجَم عريقة في القدم ببادس. فحينما لجأ إليها فقيه المالكية عبد الملك ابن حبيب (ت238هـ) خائفًا متخفِّيًا؛ إذ كان أمير بلد نكور جادًّا في البحث عنه، استقرّ عند أسلاف المترجَم في حدود أوائل القرن الثالث الهجري وبالغوا في إكرامه، حتى قال الأوْربي: “ولا يزال البيت الذي كان به ساكنًا قائمًا حتى الآن ولم يتغير منه إلا سقفه”. وكان مترجَمنا يقول: “لقد نالتنا بركة دعاء هذا الشيخ ولله الحمد”؛ فلم ينقطع من بيتهم العلم والفضل منذ ذلك التاريخ.
أسرته: والده: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علال، ولعله المقصود عند الوليدي في “كتاب الحلال والحرام” في نازلة وقعتْ ببادس الرّيف حيث قال: “نزلتْ عندنا مسألة بعبد الله بن علال…”؛ إن افترضنا بأنّ (عبد الله بن علال) هذا هو: عبد الله بن علال بن منصور الزَّهيليُّ البادِسيُّ، فيكون المَقصود هو جدّ المترجَم.
وأمه: كريمة يعقوب بن أبي بورتجين من الأسر البادسية. وكان لأبي يعقوب أخ شقيق اسمه أحمد من الزهاد الورعين، المتبتلين الخائفين: تنازل لأخيه أبي يعقوب عن نصيبه في ميراث أبيه ثم رحل إلى المشرق، فقضى أكثر حياته مجاورًا بالحرم الشريف وتوفي هناك.
تزوج المترجَم ابنة خالة له تدعى “زهرة” وولد له منها ولد أسماه عبد الله، على اسم جده. وكانت تعول الأولاد اليتامى وتتكفّل بدراستهم ومؤونتهم، وكانوا ينسبون إليها بـ”أولا الزهرة”.
ومن شيوخه الذين أخذ عنهم: العالِم الورع القاضي أبو الوليد إسماعيل بن أحمد الخزرجي؛ والد مؤلف “المقصد الشريف”، قرأ القرآن الكريم عليه وحفظه وجوده بحرف نافع. وأبو علي الطنجي دفين المصلى خارج بادس، وكان المترجَم يزوره ويقول: “قرأت على هذا الشيخ العربية”. ودرس العربية والأدب واللغة على أبي قاسم الأندلسي. وقرأ “الرسالة” و”تهذيب” البرادعي على شيخ الجماعة ببادس أبي زكريا البادسي. ومن أشياخه الذين كان يحظى لديهم بعطف كبير وعناية فائقة أبو إبراهيم الأعرج، قرأ عليه المدونة قراءة بحث وتحقيق وتعمق، ثمّ رحل معه إلى فاس لإكمال تعليمه. ومن شيوخه بها: قاضيها وإمام الفريضة بجامع القرويين أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله المزدغي، قرأ عليه “موطأ” مالك.
وبعد أن عاد أبو يعقوب من فاس، وقد حصل ما قدّر له من العلم، تاقت نفسه إلى الخلوة والتَّحنُّث، فاعتزل بالرابطة التي على ساحل البحر، خارج مدينة بادس، وأخذ في المجاهدة والعبادة والانقطاع إلى الله تعالى.
رحلة أبي يعقوب إلى المشرق: لم يكد يبلغ أبو يعقوب الخامسة والستين من عمره، حتى عقد العزم على أداء فريضة الحج، وأن يقوم بسياحة في أقطار المشرق، وخصوصًا أرض الكنانة التي هي موطن الزهاد والعباد، وكان خروج أبي يعقوب من بادس في محرم عام (705هـ)، وقد تواردت عليه وفود الطلبة والفقراء من البادية لتوديعه والسلام عليه، بينما رافقه في رحلته زمرة من أصحابه، وفيهم خديماه: أبو زكرياء الشاكري، وأبو الحسن ابن مغيث.
اهتمامه بما يجري في الأندلس: كان المترجَم كثير الاهتمام بما يجري في الأندلس من حروب بين المسلمين والنصارى، قال لزوجته زهرة يومًا: “يا زهرة، وقعت غزوة بالأندلس مثل فتوح الشام”. وكانت أخبار هذه الجهات تصِله من حين لآخر، لشدَّة اتصال بادس بها تجاريًا؛ فالرّحلات بين البلدين لا تكاد تنقطع بحرًا.
بين سبتة وبادس: كانت الحركة دائبة بين بادس وسبتة، برًّا وبحرًا، وكان رجال الفكر يتبادلون الزّيارات من حين لآخر، ومن رجالات سبتة الذين توافدوا على بادس لزيارة أبي يعقوب والتَّبرُّك به؛ أبو البركات ابن الحاج البلفيقي من أهل المرية، استوطن سبتة.
وممن شد الرحال لزيارته أيضًا: الأستاذ أبو عبد الله محمد بن محمد الخضار السبتي؛ قدم هو وتلميذه الفقيه أبو البقاء يعيش بن سعيد، فطلبا منه أن يضع خط يده على إجازة لهما، فتوقف مدة حتى همّا بالانصراف، فكتب لهما أسفل الصك: “بشرى لحمة القرآن، برحمة من الله ورضوان، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا”. ففرحا بذلك وكان لذلك التوقيع صداه البعيد في الأوساط الثقافية، وفي المجتمعات والأندية.
ولما رجع من رحلته الطويلة لازم التدريس والدعوة إلى الله، وتخرج على يديه كثير من أهل العلم والمعرفة منهم: حفيده الخطيب أبو الحسن، وأبو عبد الله بن مغيث، وأبو الحسن بن الكماد، وابن عمه أبو العباس.
ولاعتقاد الناس في أبي يعقوب البركة والصلاح كان الناس يستأمنون ودائعهم عنده في داره خلال الحروب والنزاعات. فقد قعت فتنة ببادس وخرج الناس إلى البادية بأنفسهم وأولادهم، وتركوا أموالهم وأمتعتهم بدار الشيخ، فكان يخرج ليلًا يتفقدها وهو يقول: “اللهم احرسها بعينك التي لا تنام، واحفظها في كنفك الذي لا يضام”، فغدا ضريحه في عصرنا مطمعًا لبعض الباحثين عن الثراء السريع، فتجرؤوا على نبش إحدى غرف هذا الضريح كما نشرت بعض الصحف في الريف.
وفاته: توفي رحمه الله عشية ليلة الثلاثاء 11 ربيع الأخير عام (734هـ).
0 تعليق