رأيك يهمنا

تابعنا

Facebook Pagelike Widget

آخر المنشورات

زوار الموقع

  • 0
  • 41
  • 42
  • 410
  • 1٬681
  • 199٬412
  • 2٬750

حجرة باديس / جزيرة باديس

حجرة باديس، أو جزيرة باديس كما كان يدعوها الأهالي، أو شبه جزيرة باديس كما هي الآن. تقع عند مصب نهر باديس الذي يخترق ما بين قبيلتي بقوية وبني يطفت بإقليم الريف، وهي في الحقيقة عبارة عن صخرتين متصلتين: كبرى وصغرى، طول الأولى 250 متر، وعرضها مائة متر، بينما ارتفاعها يبلغ خمسة وثمانين مترا، أما الصغرى فطولها مائة متر وعرضها أربعون مترا. وليس بالجزيرة ماء، ومن ثم فهي خلو من النبات والخضرة. وسكانها من مدنيين وعسكريين يتزايدون ويقصون تبعا للظروف.

تقع الجزيرة في مواجهة أطلال المدينة الشهيدة، أي في مواجهة الشاطئ المغربي، وقد كانت في القرن السادس عشر تبعد عن البر بمقدار ميل، وظلت تقترب شيئا فشيئا إلى أن صارت قبل سنة 1934 تبعد فقط بأربعين مترا، ولكنها في هذا التاريخ ازداد حنينها إلى أمها القارة الإفريقية … إلى الوطن الأم، كما تحن الإبل إلى أعطانها – على حد تعبير الشاعر المرحوم أحمد شوقي – فالتحمت به التحاما شديدا فلم يعد يفصل بينهما وبينه إلى برزخ صغير، تشكل بفعل تراكم الطمي الذي أتى به نهر باديس على مر الأيام وكر الأعوام ليقدم بذلك، الدليل، الواضح المحسوس الثابت الدائم على مغربية هذه البقعة الطيبة من أرض الوطن! وقد أتيح لي عبور هذا البرزخ «الوطني» أوائل عهد الاستقلال حيت قمت بزيارة تفتيشية للمدرسة البحرية التي كنت بهذه الجزيرة الشجاعة، رد الله غربتها وجمع شملها وشمل إخواتها ببقية التراب الوطني.

في عهد الملك فرناندو غزا أسطول إسباني قوي بقيادة بيذرو نفارو هذه الجزيرة لأول مرة سنة 913 هـ (1508 م)، وبنى الإسبان بالجزيرة قلعة حصينة، وأمدها بالجنود ومواد الغذاء، وبمدفعية قوية كانت تصوب فوهاتها نحو شوارع مدينة باديس فتقتل الناس في شوارعها وحتى في مسجدها الجامع، وتقلق راحة السكان باستمرار.

طلب حاكم المدينة النجدة من سلطان المغرب محمد الوطاسي – الملقب بالبرتغالي نظرا لسنوات الأسر السبع التي قضاها عند البرتغاليين قبل توليه السلطنة – فجاء المدد مؤلفا من عدد وفير من جنود المشاة: ولكنهم لسوء حظهم لاقوا سوء المصير، فمات كثير منهم، وأسر آخرون، ومن بقي عاد إلى فاس كليلا جريحا … وإذا خسر المغرب هذه المعركة فإنه لم يخسر الحرب نهائيا، وهي سجال دائما. يقول محمد بن الحسن الوزان الفاسي الذي أسره القراصنة وسمحوه وعرف باسم “خوان ليون أفريكانو”: أن الجزيرة ظلت في يد المسيحيين مدة عامين اثنين غير أن جنديا إسبانيا قتل قبطانا إسبانيا سخر من زوجته، ففر ذلك الجندي إلى مدينة باديس وأتاح للمسلمين فرصة الانتقام من المسيحيين بتقطيعهم إربا إربا، فجازاه حاكم المدينة وملك المغرب.

يقول “خوان ليون أفريكانو”: إنه سمع هذا سنة 1520 عندما كان في نابولي – بإيطاليا – من شاهد عيان مسيحي حكاها على طريقته المسيحية. ثم أضاف هذا المؤرخ المغربي الأصل: وهذه الجزيرة الآن محروسة جيدا بمساعدة الملك، حيث أنها تشكل أقرب ميناء إلى فاس، فلا يفصلها عنه إلا عشرون ومائة ميل، وهي المسافة التي تفصل هذه العاصمة عن ساحل البحر الأبيض المتوسط.

إن هذا القول يدل على أن الجزيرة استردت من الإسبان قبل سنة 1520 أو خلالها على الأقل، وهو القول الذي اعتمده مؤرخو المغاربة. بيد أن الإسبان يوردون في كتبهم أنهم فقدوا الجزيرة سنة 1522. ومهما يكن من أمر، فإنهم لم يلبثوا أن أخذوها مرة أخرى سنة 971 هـ (1564 م)، ولكن كيف أخذوها؟ سلما أم حربا؟

يذكر اليفرني في كتابه “نزهة الحادى” أن باديس في جمادى الأولى 965 (فبراير – مارس 1558) كانت للأتراك … في هذا العهد حاول الملك السعدي عبد الله الغالب بالله تفادي تردد الأسطول العثماني فمنح إسبانيا تلك الجزيرة. ويقول مؤلف عسكري إسباني: أن نائب الملك بإقليم قطلونيا: “غرسيا دي طوليدو” ربح هذه الجزيرة لإسبانيا بصفة نهائية سنة 1564 … ولكن السؤال ما زال مطروحا: أسلمًا أم حربًا؟
إذا كان ما ذكره اليفرني – الناقل عن مؤرخ مغربي مجهول الاسم – صحيحا، فإن الملك السعدي حينئذ يكون في هذا أشبه بمن غسل دما بدم! على أن اليفرني راوي الخبر، قد تنصل من عهدته قائلا: أنه رآه – مع أخبار أخرى مخلة بالشرف – في أوراق(4) مجهولة المؤلف اشتملت على ذم الدولة السعدية.

معظم المراجع تنتهي عند هذا الحد، وتذكر أن جزيرة باديس ظلت في أيدي الإسبان منذ ذلك العهد، بيد أن الحقيقة تكن في غير ذلك. يذكر وزير الملك العلوي أسد المغرب الهصور مولاي إسماعيل، أبو عبد الله محمد بن العياشي في كتاب “زهر البستان” أن هذا العاهل المغربي القوي، أمر قائده علي بن عبد الله الحمامي أن يعين من ينوب عنه في حصار سبتة، وأن يترأس الحملة الجديدة التي جهزها له مولاي إسماعيل، ويذهب بها لحصار حصن باديس.

وفعلا، توجه هذا القائد في شعبان عام 1113 هـ (يناير 1702) فوصل ساحة ثغر باديس في أوائل رمضان، وحشد قبائل الريف، وأحاطوا بالحصن الذي اختطه الافرج، ثم نصبوا السلالم على أسواره، واقتحموه على النصارى الذين كانوا به، فمات بعضهم، وأسر الباقون، واستولى المجاهدون على الحصن، ثم أمرهم السلطان بهدمه، فهدموه تهديما، وأرسلوا السبي إلى حضرة السلطان.

ويظهر أن الإسبان تمكنو في فترة أخرى لاحقة من استرجاع سيطرتهم على الحصن، ومن ترميمه وهو لا يزال في أيديهم حتى الآن. وهم يعترفون في الوقت ذاته بأن الجزيرة وأهلها الشرعيين ظلوا يقاومون الاحتلال الأجنبي على الدوام … يقول أحدهم: “منذ احتلال الجزيرة إلى نهاية الحرب مع المغرب – يقصد حرب الريف التحريرية – ظلت هدفا لنيران العدو كلما أراد هذا”.

المصدر: دعوة الحق

التصنيفات

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *