رأيك يهمنا

تابعنا

Facebook Pagelike Widget

آخر المنشورات

زوار الموقع

  • 2
  • 63
  • 369
  • 1٬828
  • 3٬198
  • 208٬717
  • 194

أطروحة للدكتوراه بعنوان: “النخب الدينية بالمغرب والأندلس في العصر الوسيط: بروسوبوغرافيا الفقهاء المنتسبين لبلاد الريف”

تقرير عن أطروحة للدكتوراه في التاريخ للباحث رفيق الغازي بعنوان:

النخب الدينية بالمغرب والأندلس في العصر الوسيط: بروسوبوغرافيا الفقهاء المنتسبين لبلاد الريف.

كان موضوع الفقهاء وما يزال مثار نقاش وجدال وأبحاث ودراسات، بالنظر إلى خصوصيته، مما يجعل راهنيته تتجدد بتطور المناهج وتنوع المقاصد والغايات، فتارة يتجه الاهتمام إلى الفقهاء في حد ذاتهم بوصفهم جزءا من المجتمع، والبحث في تاريخهم، وطورًا تتم العناية بأفكارهم وتوجهاتهم المذهبية، وأحيانا يتم البحث في أدوارهم ووظائفهم.

خُص مفهوم الفقهاء بالكثير من التعريفات من ناحية اللغة ومن جهة الاصطلاح وفيما بينها من نقط التقاء وهي كثيرة ونقط اختلاف وهي قليلة، وبالتمعن في التعاريف التي قدمها كل من ابن منظور في لسان العرب، والرازي في مختار الصحاح، والفيروز آبادي في القاموس المحيط، والسبكي في جمع الجوامع، وأبو إسحاق الشيرازي في اللمع في أصول الفقه، وأبو الحسن الرازي في حلية الفقهاء، والقاضي عياض في ترتيب المدارك، وأبو الوليد الباجي في كتاب الحدود، والغزالي في إحياء علوم الدين وابن خلدون في المقدمة، وغيرهم … هذه التعاريف نظريا ربطت في مجملها بين الفقه والفقهاء من زاوية العلم بأمور الدين ومعرفة أحكام الشرع وطرق استنباطها وما يرتبط بها؛ استنادا إلى ما ورد في كثير من الآيات القرآنية.

انسجاما بين التحديد النظري والمعنى العملي فقد عُرف الفقهاء بمسميات كثيرة مستمدة من تعدد الخطط التي تسند لهم لكونهم فقهاء مثل: القضاء والإفتاء والشورى والخطابة والإمامة وغيرها … إضافة لقيامهم بمهام التعليم والتوثيق والعدول…

 ومن الواجب الإشارة إلى صعوبة الفصل بين هذه المهمات، لوجود صلة شديدة تجمعها، فنجد من الفقهاء من جمع بين مهمتين أو أكثر، ومجمل القول من الصعب حصر مهام الفقهاء وإيجاد توصيف دقيق لها، لذا بناء على ما سلف اعتمدنا تعريفا موسعا لمفهوم الفقهاء، يشمل كل الذين تناسبت صفة من صفاتهم مع ما أشرنا إليه أعلاه.

تقوم هذه الدراسة على تطبيق المقاربة البروسوبوغرافية على عينة عددية تضم 205 من أعلام الفقه المنتسبين لبلاد الريف، عبر مسح زمني لعصر طويل الأمد، واعتماد نطاق جغرافي اتضحت معالمه وخصوصياته التاريخية منذ العصر الوسيط؛ تقاسمته على مر التاريخ عناصر بشرية مختلفة أبرزها العنصر البربري المحلي بتنوع أصوله القبلية، بالإضافة للتثاقف والتعايش الحاصل بينهم وبين من استقر واستوطن أو تم توطينه في هذا المجال من قبيل العنصر العربي المتعدد الانتماءات ثم الأندلسي …

أهمية الموضوع

تتجلى أهمية الموضوع في كونه يحاول الإحاطة بمختلف جوانب عينة من الفقهاء، بصفتها نخبة زمانها، وتجميع أكبر قدر من المعطيات والتفاصيل المتعلقة بها، وفي تقديرنا أن عملا أكاديميا مثل هذا لم يحظ بأي إنجاز سابقا، وهو ما سيشكل نقطة البدء لمزيد من الأبحاث والدراسات ذات الطبيعة الشمولية في تعاطيها مع الفقهاء، ومن مظاهر هذه الأهمية أن البحث يتصدى بالدراسة لنخبة دينية واجتماعية لها تنوع في الأصول القبلية وامتداد في الجغرافيا وحضور سياسي واجتماعي واقتصادي متعدد الأبعاد.

ويكتسي الموضوع أهمية إضافية من استمرارية هذه الفئة في الوجود لقرون متواصلة إلى حدود اليوم بالرغم من التحولات التي طرأت على النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعادات والتقاليد …

أهداف الدراسة

تتعدد أهداف هذا الموضوع لكونه يثير نقاطا كثيرة ومتقاطعة يسعى لتوضيحها وتمحيصها، ومنها:

ـ دراسة فئة الفقهاء في سياق واقعها بتفاعلاته المتقاطعة؛

– البحث في الخلفية العلمية وما يرتبط بها من أنشطة؛

ـ البحث في تفاصيل علاقة الفقهاء بالسلطة وآليات التأثير والتأثر المتبادل بينهما؛

ـ البحث في تركتهم العلمية والحضارية، من مؤلفات ومخطوطات؛

ـ دور الفقهاء في التأريخ لبعض العادات والأعراف المتوارثة والمتداولة؛

جغرافية الدراسة

انطلاقا من مضامين متون المصادر والدراسات الحديثة؛ فإن بلاد الريف في هذه الدراسة ستكون مطابقة للنطاق الجغرافي الممتد من سبتة إلى ملوية، وهو المقسم حاليا إلى مجالات ثلاثة؛ الريف الشرقي والأوسط والريف الغربي، وبصفة أوضح هو النطاق الجغرافي الذي يمتد من «تلال مقدمة الريف من الشمال الغربي نحو الشمال الشرقي، ما بين سبتة وملوية، شكله العام هلالي مقعر نحو الشمال ومحدب نحو الجنوب، يبلغ امتداده الطولي حوالي 300 كلم في التراب المغربي».

أما العينة من الأعلام الواردة في متن هذه الدراسة فيجمع بين أفرادها الانتماء للمجال ذاته، وهم على ثلاثة أصناف:

أولا: المنتمون إليها أبا عن جد ولم يكن لهم منها خروج ورحلة.

ثانيا: الذين تنحدر أصولهم ولو البعيدة من هذه المنطقة وإن لم يعد لهم بها استقرار.

ثالثا: الذين دخلوها فاستقروا بها فأصبحوا منتسبين إليها.

الإطار التاريخي

يمتد زمن الدراسة على المدى/ الأمد الطويل، من دخول الإسلام للمنطقة وبشكل خاص مع تأسيس إمارة نكور بوصفها الكيان السياسي الأول الذي انتظم في إطاره الفقهاء، وباعتبارها السباقة إلى الأخذ بالمذهب المالكي، إلى سقوط الدولة الوطاسية (961هـ/1554م) باعتبارها خاتمة العصر الوسيط في المغرب الأقصى، مع نوع من المرونة فيما يتعلق بتجاوز هذا التاريخ ببضع سنوات بالنسبة لبعض الأعلام، لعيشهم أغلب مراحل عمرهم في المدة المعنية بالدراسة.

الإشكالية

ارتكزت الدراسة على توظيف المقاربة البروسبوغرافية بوصفها آلية عملية علمية لدراسة الفئات الاجتماعية ذات السمات المشتركة؛ ولتناسبها مع نوعية المادة المصدرية المتمثلة بالدرجة الأولى في التراجم، وبالتمعن في طبيعة الموضوع ونوع المقاربة المختلفة نظريا وعمليا عن المناهج وعن العمل بها، يصعب الحديث عن الإشكالية بمعناها المتعارف عليه،  لذا واحترامًا للضوابط المنهجية تحضر الإشكالية في أطروحتنا في صيغة رؤية عملية تروم الكشف عن تفاصيل حياة فقهاء بلاد الريف في المرحلة الوسيطية، باعتماد المقاربة البروسوبوغرافية التي تقوم على إنجاز جداول تتضمن معطيات كل فرد من أعلام العينة لتفكيك وتحليل مضامين التراجم، ولتجميع الأعلام ومعطياتهم، وتتبع مسارهم من محاولة تحديد أصولهم مرورا بمواطن امتدادهم، ومراحل التحصيل العلمي وتلقينه، والإجازة العلمية أخذا ومنحا، واستحضارا لطبيعة حضورهم سياسيا؛ اقتصاديا واجتماعيا، واستثمار كل ذلك في رسوم بيانية وإحصائيات رقمية وجداول وخرائط.

المقاربة والمنهج

يزاوج بحثُنا بين المقاربة البروسوبوغرافية -بشكل رئيس- بوصفها مقاربة منهجية تُوظف في الدراسات الأكاديمية المهتمة بالفئات الاجتماعية ذات القواسم المشتركة، لغويا مصطلح أصوله إغريقية ينقسم إلى شقين: (Prosôpôn) وتعني الفرد أو الشخص، ثمGraphia) ) وهي الوصف، وبذلك يتضح المعنى في وصف الفرد وسلوكه وصفاته الخارجية والمادية، ومن الناحية الاصطلاحية تهتم بدراسة الخصائص الأساسية المشتركة لمجموعة من الفاعلين في التاريخ عن طريق دراسة جماعية لحياتهم، وفي علاقتها بالتاريخ تعد البروسوبوغرافيا مقاربة منهجية بحثيا طورها مؤرخو روما في القرن التاسع عشر. وبالنسبة للتاريخ الإسلامي نجدها متشابهة شكليا مع التراجم والوسيلة الأنسب لكشف مضامينها بدقة، ثم المنهج التاريخي بدرجة أقل من ناحية البحث في تاريخ هذه الفئة، والتتبع -الكرونولوجي-لمسار أعلامها.

بعض النتائج

  • إن الاشتغال بالمقاربة البروسبوغرافي شبيه بالعمل الميداني؛ فهي الوسيلة العلمية الأنسب لاستخراج واستغلال معطيات التراجم؛ وفي هذا نقول إن كلا من التراجم البروسبوغرافيا يخدمان بعضهما البعض علميا؛
  • إن تحليات التراجم كنز معرفي وجب الاعتناء بدراسته وتخصيصه بأبحاث مستقلة؛
  • تشكل العنصر المعني بالدراسة من مزيج عرقي وقبلي قوامه القبائل البربرية بتفرعاتها وما تناسل منها من شعوب وعشائر وعمائر، بالإضافة للعنصر العربي الوافد، سواء من الأندلس أو المشرق، فاكتسبوا صفة الانتماء بالاستقرار الطويل وتواتر الأعقاب؛
  • تميز العنصر البشري في الحقبة الوسيطية بالترحال والحركية، لا سيما أن التاريخ يشهد أن العنصر البشري المحلي في المنطقة في جزء كبير منه كانت فطرته الترحال المرتبط بالبداوة والعراقة فيها، وأضاف إليها الإسلام عناصر آخر تمثل في الرحلة للعلم والحج والغزو للجهاد؛
  • سجلنا تنوعا في وجهات الرحلات وأسبابها منها رحلات علم وحج للمشرق مرورا بمصر وصولا إلى الشام وبغداد، أما الترحال داخل مجال الغرب الإسلامي، فأمر طبيعي خاصة للانتقال بين المراكز العلمية من بينها فاس. وخلصنا إلى أن فقهاء بلاد الريف اتخذوا الرحلة أو الهجرة عادة، ومهما تنوعت الأسباب وتعددت، ظل طلب العلم والمعرفة والحج من أبرز هذه الأسباب على مر تاريخه الوسيطي،
  • إن تتبع المسار العلمي للفقهاء بدءا من التحصيل عبر الرحلة ولقاء الشيوخ، إلى جمع الإجازات، مع ذكر المقروآت بالتدرج بدءا من القرآن الكريم إلى أصناف المؤلفات في الفقه وغيره، مع الإشارة إلى أبرز شيوخ الفقهاء وهم في طور التتلمذ، وما تلقوه من شيوخهم، ومنه إلى طور التفقه واكتساب الخبرة ليتحولوا من تلاميذ إلى شيوخ ومعلمين للصبيان وللأقران، فسجلنا أمثلة من أبرز الأعلام الذين تلقوا وأخذوا ورووا عنهم الفقه والحديث والرواية، ثم الإشارة إلى جانب آخر من مراقي سلم العلم والفقه، وتمثل في الإجازة العلمية فبينا أبرز الشيوخ الذين حصلوا عليها ومن تولوا إجازتهم، ثم عكسنا العملية لنكتشفهم وهم يقدمون على الإجازة لغيرهم،
  • كشفنا عن جملة من الرتب العلمية التي بلغها أعلامنا هؤلاء، من خلال ما تم توصيفهم به من قبل من ترجموا لهم، فتظهر التحلية لتشكل كنزا معرفيا وجب التعامل معه، فخلصنا إلى صفات جمة إلى جانب الفقه، فترد بعبارات وألفاظ مرادفة للتحصيل العلمي والنبوغ فيه ويجعل الأعلام يحصلون على ألقاب وصفات، تكون معبرة ومنسجمة مع المراقي العلمية، فمنهم من وصفوا بالمحدثين، حيث كانوا رواة ناقلين للحديث وأسانيده، كما برزت فئة موصوفة بالعلم، فنالوا لقب العالم والعلامة، ومنهم من اتصفوا بصفة المدرسين والأساتذة، بالإضافة لألقاب أخرى من قبيل الأدباء والحفاظ والشيوخ، والمسندين، فنخلص إلى تنوع المدارك وتعددها، والنبوغ العلمي والدرجة العلمية التي وصلوها؛
  • ارتقاء البعض من الفقهاء في مدارج التصوف والزهد؛ تصوف سني بعيد عن الخوارق والكرامات وزهد تعبدي إعراضا عن المباهج والملذات؛
  • تبين وجود رابط بين الفقهاء والسلطة، يتخذ شكلين مختلفين في المعنى والمبنى، إما علاقة ائتلاف أو علاقة اختلاف، على طول زمن الدراسة؛
  • سجلنا انخراطا واسعا للفقهاء في الوظائف والخطط الدينية والدنيوية منها، مع وجوب الإشارة للتداخل الحاصل بين ما هو ديني ودنيوي في تولي الوظائف، فمنهم القضاة والمفتون والخطباء والإمامة، والمشاورون، وعاقدي الشروط والموثقون، ومنهم من تولى مناصب سياسية، فنذكر كتاب السلاطين والسفراء، لنخلص إلى كون الفقهاء عماد المجتمعات فهم الموكول لهم القيام بما فيه خدمة ومصلحة للدولة؛
  • حضور قوي للفقهاء في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات بوصفهم قضاة ومفتين…

تقرير أعده الباحث وقرأه أمام اللجنة العلمية يوم المناقشة.

التصنيفات

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *