رأيك يهمنا

تابعنا

Facebook Pagelike Widget

آخر المنشورات

زوار الموقع

  • 0
  • 73
  • 42
  • 442
  • 1٬713
  • 199٬444
  • 1٬322

وثيقة بندقية: تكشف عن إمارة منصور بن يوسف في بادس

كشَفت وثيقة مخطوطة -عثر عليها العلامة المؤرخ خير الدين الزركلي في أرشيف البندقية- عن إمارة منصور بن يوسف في بادس في العقد الثاني من القرن العاشر الهجري.
يرجع الأمر إلى إبرام معاهدة الصلح بين المسلمين من أهل بادس تحت راية أميرها منصور بن يوسف، وبين النصارى من أهل البندقية تحت راية القبطان لويز بزمان البندقيّ بتاريخ يوم 19 رمضان 913هـ/ موافق 2 يناير 1508. وقد اشتملت المعاهدة على تسعة بنود. كُتبتْ بخط يد محمد بن أحمد الرزيني. وهذا نص ما كتبه المؤرخ الزركلي بتاريخ: شوال 1388هـ/ موافق 1969م.
إمارة مجهولة
المكان، الزمان، السّند، الإمارة
مكان الإمارة: هو بلدة “بادس”، وقد عنّاني طول البحث عنها منذ أواخر سنة 1955م أيام ظفرت بنص معاهدة بين البندقية وبادس موقع بإمضاء أميرها.
واقتربت من بادس في رحلة كنت بها مع الملك محمد الخامس ملك المغرب السابق عليه رحمات الله وبلغنا “الحسيمة” في ريف المغرب الأقصى، ولم أكن أدري أن بادس التي أبحث عنها كانت على مقربة من الحسيمة، وعدت من تلك الرحلة ولم يتح لي أن أراها أو أرى موضعها.
وجاءني من أعلمني بعد ذلك أن على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، بين مدينة سبتة ومليلة جزيرة صغيرة اتصلت مؤخرًا بالبر المغربي فأصبحت شبه جزيرة، وأنها كانت تسمى حجرة بادس أو حجر بادس أو حصن بادس لقربها من بلدة بادس المغربية، التي هي موضوع بحثي.
وقرأت في كتاب: “المغرب” أن بادس مدينة تاريخية من المدن المؤسسة في القرن الأول للفتح الإسلامي لعبت دورًا خطيرًا في تاريخ المغرب، وقد اندثرت الآن ولم يبق منها شيء غير الاسم، قال: وموقعها على ساحل البحر الأبيض المتوسط، أمام الجزيرة المعروفة بنفس الاسم، وفي الطريق بين سبتة ومليلة.
وفي “تاريخ تطوان”: بادس، جزيرة أو شبه جزيرة على البحر الأبيض المتوسط، هي الآن في يد الإسبان. وفي الدليل الأزرق للمغرب ما ترجمته: على الشاطئ المغربي بين مدينتي سبتة ومليلة (الإسبانيتين) أمام قرية القُميرة المسمى بالإسبانية بنيون دوفيليز.تقع بلدة بادس وهي قرية صغيرة على نهر يدعى باسمها، كان الرومان يسمونها باريانتينا وكان لمينائها شأن في القرون الوسطى في مواصلات فاس الخارجية، وأهل الميناء بعد استقرار الإسبان في القميرة.هـ 
وتكرر ورود ذكرها في تاريخ المغرب القديم:
أمر عبد المؤمن سنة 557هـ بإنشاء الأساطيل، فكان منها بطنجة وسبتة وبادس ومراسي الريف مائة قطعة. وفي سنة 601هـ بنى عامل الريف، من قبل الناصر، واسمه يعيش سورَ بادس ولمديه ومليلية حياطة وتحصينًا من فجأة العدو. وأمر السلطان يعقوب ببناء السور على بادس مرفأ السفن ومحل العبور من بلاد غمارة سنة 674هـ. وفي سنة 687هـ قدم من بادس وسلا وأنفى خمسة عشر أسطولا انضمت إلى بقية الأسطول في مرفأ سبتة. وفي سنة 760هـ، ظهر السلطان أبو سالم بجبال غمارة وفر منصور بن سليمان إلى بادس، فقبض عليه، وجيء به إلى السلطان أبي سالم فقتله. وبادس (في القرن السادس للهجرة) مدينة متحضرة، فيها أسواق وصناعات قلائل، وغمارة يلجأون إليها في حوائجهم. وهي آخر بلاد غمارة.
وأخرجت علماء، منهم: عبد الحق بن إسماعيل البادسي، مصنف “المقصد الشريف في صلحاء الريف” رأيت مخطوطة منه في خزانة الرباط (المجموع 1419د) فرغ من تأليفه سنة 711هـ.|
الزمان: زمن البحث في الإمارة المجهولة هو القرن العاشر للهجرة، والخامس عشر إلى أوائل السادس عشر للميلاد.
السَّنَد: وسند البحث: معاهدة عُقدت يوم 19 رمضان 913هـ الموافق 21 يناير 1580 بين الأمير منصور بن يوسف والقبطان لويز بزمان البندقي، في بلدة بادس. وكان قد اتفق لي الاطلاع على الأصل الفريد لهذه المعاهدة، بينما كنت أقلب أضابير “الأركيفيو” الأربع عشر، في البندقية، وما فيها من رسائل ووثائق واردة عليها من بعض ملوك المغرب وسلاطين مصر، والدولة العثمانية.
نص المعاهدة [ورد فيها بعض الأخطاء تركناها كما هي]
الحمد لله وحده، هذه نص معاقدة وشروط عقدها القبطان الكبير في قومه، العزيز بين أبناء جنسه، الحسيب الأصيل لويز بزمان هداه الله، بينه وبين الأمير المعظم الأسعد الأنجد أبي علي منصور بن يوسف كان الله له، وأصلح قوله وعمله، وكانت المعاقدة بينهم في حين وصول القبطان إلى مرسى مدينة بادس أمنها الله.
الأول: أوّل المعاقدة والشروط أن الصلح منعقد بين المسلمين من أهل بادس وعملها، وبين النصارى من البنادقة وعملها، من يوم تاريخ هذه المعاقدة، طول ما بقوا يمشوا ويجوا لبادس من الآن لقُدّام إن شاء الله.
الثاني: العقد الثاني أن كل جفن يجيء من تحت علام الشنيوريّة من أرض البنادقة فإنه ينزل في مدينة بادس أمنها الله، مؤمّنًا في نفسه وماله على هذه المعاقدة التي عقدها القبطان مع الأمير أيده الله، من غير زيادة ولا نقصان إن شاء الله.
الثالث: العقد الثالث ألّا يأسر أحد من البنادقة أحدًا من أهل بادس وعملها، ولا يأسر أحد من أهل بادس أحدًا من البنادقة وعملها من بعد هذه المعاقدة. ومن ظهر أسير عند كلي الفريقين فإنه يحرر من الأسر في الساعة التي يرى فيها إن شاء الله.
الرابع: الرابع لا يؤخذ أحد بذنب أحد؛ مثل أن يكون لمسلم دين على نصراني بندقي مما مضى من سالف الأعوام، ويريد المسلم أن يحبس فيه أحدًا من البنادقة، فإن ذلك لا يكون إن شاء الله.
الخامس: العقد الخامس إذا جاء تاجر نصراني بندقي في جفن من أجفان النصارى غير أجفان البنادقة فإن مأمنَه ومَغْرمَه يكون على ما في هذه المعاقدة من غير زيادة ولا نقصان بعون الله.
السادس: العقد السادس إذا هال البحر على الطرائد في مرسى بادس، أو دهمهم عدوٌّ أو تنكسر لهم سفينة واحتاجوا إلى النزول في البر فإنهم مؤمّنين (كذا) في أنفسهم وفي أموالهم بعون الله.
السابع: العقد السابع أن تجار البنادقة ينزلون بسلعهم في مدينة بادس أمنها الله يبيعون ويشترون، على أنهم إذا باعوا شيئًا لمسلم بمائة دينَرٍ (دينار) ذهبًا فإنهم لا يفارقون المسلم المشتري حتى يحملونه؛ لأن المشتري يُغرم على مشتراه عُشُرًا غير رُبع، وذلك سبعة ذهب ونصف من كل مائة، فإن فرّط النصراني البائع في المشتري، فإنه يَغرَم بدلًا منه سبعة ونصفًا من كل مائة إن شاء الله.
الثامن: العقد الثامن إن جميع ما يشترونه من القمح والدقيق والخبز وغير ذلك من الفواكه والخضر فإنهم يرفعون ذلك للطرائد بغير مغرم يلزمهم على ما ذكر بعون الله.
التاسع: العقد التاسع أن الورقي الذي في طريدة القبطان إذا يبيع سلعة بمائتي ذهب التي تجب عليه فيها خمسة عشر دينارًا ذهبًا فإنه يحرر ولا يغرم منه قليلاً ولا كثيرًا إن شاء الله. وكذلك رئيس في كل طريدة فإنه يحرر له من مغرمه الذي يبيع فيه سلعته سبعة دنانير ونصف دينارٍ، ولا يزاد عليها ولا يُنقص بحول الله.
العقد العاشر: إذا هرب إلى الطرائد أسير نصراني من بادس وعملها فإنهم ينزلونه لصاحبه وإن حملوه معهم، ويخرجوه في أرض النصارى ويطلقوه، فإنهم إذا جاءوا لعام آخر يُحبس فيه واحد منهم إن شاء الله.
على جميع ما ذكر من المعاقدة والشروط توافق الأمير أبو علي منصور أعز الله أيامه، مع القبطان الحسيب لويز بزمان البندقيّ أكرمه الله. وكتب جميع ما ذكر بينهما محمد بن أحمد الرزيني وفقه الله يوم السبت التاسع عشر من شهر رمضان المعظم عام ثلاثة عشر وتسعمائة وفي اليوم الحادي والعشرين من شهر ينير العجمي الذي من عام ألف وخمسمائة وثمانية أعوام.هـ

الإمارة: ليس فيما وقفت عليه من تواريخ المغرب أي ذكر لإمارة في بادس، تولاها أو قام بها أمير يدعى منصور بن يوسف، ولعله كان مستقلا غير تابع لإحدى دولتي عصره: الوطاسية المرينية، ودولة بني الأحمر، وإلا لما فاته أن يشير في بدء المعاقدة، أو ختامها إلى الدولة التي هو من عمالها. ويلاحظ في السطر الرابع من الصفحة الأولى من نص المعاقدة فراغ كان قد تركه الكاتب لاسم الأمير منصور، وملأه هو بخطه على طريقة سلاطين المغرب في تحلية رسائلهم بتوقيعاتهم في أعلى الرسائل، وانفرد هذا بإدخال اسمه في صلب الفقرة الأولى من المعاقدة.

ثم، هل هناك أكثر من التشابه في الأسماء، عندما نجد في تاريخ المغرب كبيرًا من الوطاسيين اسمه: يوسف بن منصور (بن زيان الوطاسي)، قد تولى خلع سلطان فاسأبي عبد الله الحفيد سنة 875هـ/ 1470م؟ أم يذهب بنا الحدس إلى أن منصور بن يوسف صاحب معاقدة بادس، سنة 913هـ /1508م، هو ابن ليوسف بن منصور بن زيان؟ فتكون الإمارة “وطاسية” يُلحق ما يمكن أن يُعرف عنها بتاريخ الوطاسيين. هذا خاطر يسنح عند محاولة التعرف على إلى نسب منصور وأوّليّته، لا يدخل في صميم موضوع “الإمارة”.

أما مدة التاريخ لبلدة بادس، بعد زمن المعاقدة، فمتوفرة، وأهم ما يتعلق ببحثنا منها، أن الإسبان احتلوا جزيرة بادس في 23 يوليو 1508م 23 صفر 914هـ أي بعد زهاء سبعة أشهر من توقيع المعاقدة، وأورد صديقنا محمد بن تاويت التطواني نصوصًا مفيدة لأحداث وقعت في بادس وما حولها في بعض أعوام 1522 – 1564م (922 – 971هـ) لم أجد فيما ما يسعفني في كشف حقيقة “الإمارة المجهولة” التي يمكن أن يكون اسمها منذ الآن في تاريخ بادس “إمارة منصور بن يوسف“، إلى أن يظهر عنها من نشوئها ومدتها، وعلاقاتها بجاراتها، ما لا يزال فيما أحسب في عالم الغيب. كتبه: خير الدين الزركلي – نزيل بيروت

التصنيفات

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *