في إطار حفظ الذاكرة والتوثيق للمكان، صدر حديثا كتاب بعنوان “ذاكرة حي كوزينة” للكاتب عبد المالك بوغابة. الكتاب يوثق لمراحل مختلفة من تاريخ هذا الحي الشهير في مدينة الحسيمة وظروف نشأته ويعرض لمسارات كثير من أبنائه كما يتوقف عند محطات شتى جعلت الحي الشهير يسكن ذاكرة ووجدان ساكنيه.
توطئة الكتاب التي كتبها محمد ناجي قال فيها إن “مراجعة صور الأرشيف، ستجعلك تشعر بالأسى والحسرة، للأشخاص الذين عشنا في أحضانهم وبجوارهم. وكيف أن الزمن غدر بنا من حيث لا ندري، وأن حي كوزينة تغير فعلا، ولم يعد كما كان في الزمن الجميل، حي كان يزخر بالحياة والطمأنينة والسلام، شباب وشابات الحي، عازبات ومتزوجات، يعتبرن أنفسهن إخوة وأخوات، بحيث تتمتع النساء بكامل الاحترام والتقدير دون مضايقات، ويمكن الدفاع عن شرفهن أمام الأغيار”.
بقراءة الكتاب تعود بك عقارب الزمن إلى الوراء، وتستحضر ذكريات التشكل انطلاقا من فسيفساء ممتدة عبر دهاليز المكان في ذاكرة موشومة بملامح أبنائها الذين نقشوا كل لحظات الحي في تربته وأزقته باصمين في منعرجات الحياة تغيرات التشكل التي عاشتها الحسيمة منذ تاريخ نشأتها، والتي استحضر فيها الكاتب تقنية سرد قصص وحكايات تسمية المدينة، ومنها نشأة هذا الحي وموقعه الجغرافي وساكنته التي أثثت كل لحظاته، بما وصفه الكاتب بـ”أيام زمان إرث من الماضي الجميل”.
حاول الكاتب أن يكتب هذه النصوص عن حي كوزينة بالحسيمة، بما يشبه “تصالح موغل في التفاؤل المستحضر لذكريات الماضي الجميل”. وهو الحي الذي سكنه برفق وعمق على جناح التأمل الناضج في أغوار المكان والذكريات المشيدة على معالم تاريخه الممتد لحدود هذه اللحظة.
الكاتب عاد إلى الحي وفي نفسه لحظة يستنسخ فيها عبره تاريخ المدينة محاولا معانقة الأرض باستنفار الآثار المحفوظة والشخصيات العابرة، ما أثمر هذا الكتاب الذي يقدم لوحة متنوعة الأجزاء، تدعو إلى الغوص في المكان بتجربة شخصية مباشرة، أشبه بطقس حج روحي يستحضر رموز الماضي الحاضرة في كل تفاصيل الحاضر ولكن بحرقة وأسى كبيرين.
يقول الكاتب عن هذا العمل: “إنه محاولة لإبراز جزء من تاريخ ذاكرة حي كوزينة من خلال نفض الغبار عن الأماكن التي ظلت شامخة، رغم مرور الزمن، وإبراز ملامح بعض المراحل التاريخية التي مرت بهذا الحي”. وركز الكاتب في هذا العمل على أماكن حفظتها الذاكرة ورجالات صنعت التاريخ من خلال مراحل مهمة من ذكريات الحي الذين عاصروا وعايشوا أسرار فضاءاتها بأحداثها وشخصياتها.
الكاتب حاول الوقوف على أمكنة تنبض بأسماء من عبروا من أعلام الحي، وهي صرخة تستحث الانخراط في تدوين ذلك الفضاء الذي يحفظ أثر الزمن في الحياة والناس؛ لأننا حين ننساه ينسانا، فننسى أنفسنا.
متعة قراءة هذا الكتاب تزج بك في أعماق ذاكرتك، وتشعل فتيل ذكرياتك، وتجعلك تعيش توالي الصور، وتستلذ بهذا الحنين المرعب، الذي لم يغزك أبدا من قبل بهذا العنف كما بهذه الحرارة.
يشار إلى أن الكاتب عبد المالك بوغابة هو من أبناء حي “كوزينة” بالحسيمة، قبل أن يستقر بمدينة تطوان، وهو مواليد 1964 بنفس الحي.
* منقول من موقع: التبريس
0 تعليق