كتاب الحلال والحرام لأبي الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي، من بني وليد؛ إحْدى مكونات قبائل صنهاجة السّراير المُسْتقرَّة بمجال الرّيف الجَنوبي.
ترجع قصتي مع هذا المخطوط لسنة 1436هـ حينما قصدتُ الزّاوية الحمزاوية بالرّشيدية أحمل مَعي قائمة ببعض المخطوطات أريد الاطلاع عليها وتصوير قطعة من كتاب: “الممهد الكبير” لابن الزهراء الورياغلي (ت بعد 710هـ)، وكان من ضِمنهم الكتاب المَذكور. وحينما فحصتُه فوجئتُ باختلاف الكتابيْن رأسًا، فبدأتُ أجمعُ نقول علماء المالكية من “كتاب الحلال والحرام” وأدوِّنها في بطائق، ثمَّ أعدتُ قراءة المخطوط وأمامي بطائقي، فكلما مرَّ معي نَقْلٌ عنْهُ وضعْتُ عليه علامة، إلى أن انتهيْتُ من قراءته، فخرجْتُ بنتيجة حتميَّة وهي أنَّ هذا الكتاب؛ هو الذي تصحُّ نسبته للوليدي، وليس المطبوع باسم (كتاب الحلال والحرام للوليدي= ط: وزارة الأوقاف).
وعليه فلم يكُن عَمَلي اجترارًا ولا تكرارًا لما سبق، وإنَّما تميّز إخراجي لهذا الكتاب باعتباره نصًّا جديدًا لهذا العالِم الجليل الذي ينشَر لأوَّل مرَّة.
بالإضافة لذلك فإنّه يحتوى على نصوص صحَّحتْ مفاهيم مَغلوطة نُقِلَت عن المُؤلِّف، كمَسْألة إحراق كتب الغزالي وهو النَّصُّ الوحيد الذي نُقِل عن هذا العالِم وتصرَّف فيه بعضُ العلماء ففُهِم بالخَطإ.
ومن خلال الإجازة التي كتبها المؤلف إلى الفقيه الأجل أبي الحسن علي بن محمد القيسي بخطه عام 689هـ صححتُ خطأين جسيمين؛ أحدهما يتعلق بالمؤلف والثاني بالكتاب؛ فالأوَّل: تضعيف ما تناقله النّاس أنَّ المؤلِّف توفي عام 675هـ. والثّاني: تَصْحيح ما توهَّمَه مُفَهْرسوا الخزانة الحسنية حيثُ نسبوا الكتاب للمجاز له (القيسي).
ومن هذا الباب أيضًا فنَّدتُ زَعْم مفهرسي مؤسسة الملك عبد العزيز بالدار البيضاء، فقد جزموا بِنسْبَة الكتاب لأبي عمران موسى بن محمد التّسولي (ت716هـ)، وأقاموا على ذلك افتراضات ثلاثٍ وَسَمُوها بالحجج.
تكْمُن أهمّية الكتاب في كوْنه متخصِّصًا في النّشاط البَحري، تحديدًا الجانب المُتعلق بالشّق الفِقهي في الشّركة في الصيّد البَحري، وهذا الكتاب هو الأوّل من نوعه في هذا الباب؛ حيثُ لاحظتُ غيابًا شِبْه تامٍّ لهذه النازلة من كتب النوازل الفقهية، ولم يتطرق إليها أحدٌ فيما اطَّلعتُ عليه.
يتعلّق الأمر في هذا المقام بالنّازلَة المِحْورية للكتاب وهي جَوازُ أكْلِ الحوت الذي يصْطاده البَحْريَة مِن عَدَمِه، بِعَقْدِ الشّركة، ثمَّ يَبيعونَه أوْ يهْدونَهُ؛ وَالحالة هذه أنَّ مَن تَقَدَّم مِنْ الفُقهاء بنَواحي بادس كان يُفتي بِفساد مُعامَلة صيادي الحوت عِنْدهُم في بَعْض الصُّوَرِ، فكان “كتاب الحلال والحرام”، بمثابة تصحيح مسار النّازلة وتكْييفها تكْييفًا دقيقًا؛ حيثُ قلَّبَ الوليديُّ النّظر في العلاقة بين الصّيادين والرّايس صاحِب الزّوْرَق؛ مُوضِّحًا الصُّوَر الفاسدة منها باتِّفاق وما يشوبها من خَفِيِّ الرِّبا، وصور الكراهة. والصُّور المختلف فيها، تخريجًا على صحّة بيْع المَنافع (الإجارة، والشَّركَة، وَالأكْرِية)، وذكر شروط كلّ ذلك وما يترتَّب عليْها في حالة اختلالها.
وفي هذا يقول([1]): “وَقد جَدّ صُلحاء مرسى بادس -عمّره الله- في السُّؤال عَنْ جَوازِ أكْلِ الحوت الذي يصْطاده البَحْريَة عندهم ثمَّ يَبيعونَه أوْ يعطونه هَديةً؛ وَقد كان مَن تَقَدَّم مِنْ الفُقهاء بنَواحيهِمْ يفتونهم بِفساد مُعامَلة صيادي الحوت عِنْدهُم في بَعْض الصُّوَرِ، وَأنّه أشْكَلَتْ عَليْهِم الشَّركة الصَّحيحَة في ذلك مِنَ الفاسِدَة، فربّما تَرك بعْضُ الورعينَ مِنْهُم أكْلَ الحوت الذي يصطاد بالزَّوْرَقِ والشَّبكَة؛ مخافةً على نَفْسِه أنْ يأكل ما نيل بِعَقْدٍ فاسِدٍ فيظلم لذلك نور قَلْبه، أو يسْتحقّ العقاب بذلك مِن رَبِّه عزَّ وجلَّ”.
ثم قال([3]): “وقد بحثتُ على صِفَة تعامل الصَّيّادين للحوت فأُخْبِرْتُ أنَّ تعامُلهُمْ على صُورٍ مُخْتلِفَةٍ؛ منْها: جائز العَقْد. ومنْها: ما هو فاسد العَقْد، يُفْسَخُ في القيام وَفي الفَوات، ويتراجَعان في ذلك على حُكم البيْع الفاسِد. ومنْها: ما يختلف في فسادِه وصحَّته، وإذا كان الوجْه فساده فَيفْسخُ ما لم يَفُتْ بالعَمل، فإنْ فات مَضى على ذلك، إلا أنَّه يقْسَمُ الرِّبحُ فيه على قَدْرِ كراءِ ما نيلَ بِه الكَسْبُ مِنْ آلةٍ وَيَدٍ…”.
ثم ختم ببيان ضوابط الفتوى ومراتبها وشروط المفتي وأحكامه، وحكم الفَتْوى بالشّاذِّ وَنَقْض الحُكْم بِه، وهل يجوز للمُفْتي أن يُلْزِم المُسْتفتي بقولٍ، أو هو كالوصيِّ يعرض للمُسْتَفتي الأقْوال وهو يختار؟ وبيَّن ما يلزم المُقلّد بسَببِ تقليده بعضَ الأئمَّة، وأحكام المُفْتي لَه في نَفْسِه. ونَقل في هذه المَسْألة نصًّا مِن كتابٍ هو في حُكم المَفقود حاليًا، هو كتاب: “الاستظهار في مسائل الخلاف” لابن رشد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) كتاب الحلال والحرام (ق7، مخطوط الخزانة الحسنية).
[3]) كتاب الحلال والحرام (ق7، مخطوط الخزانة الحسنية).
(4) https://2u.pw/pIQaL
0 تعليق