الحمدُ لله، أَحمدهُ وأَستعينه وأستغفرهُ وأتوبُ إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأَشهد أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله، اللَّهُم صلّ وسلّم وبارك عَليه، وعلى آله وأصحابه وأَزواجه وذرياته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
بتذلل وخضوع وخنوع، أتوجه في مطلع هذه المناقشة العلمية المباركة للخالق سبحانه وتعالى بالحمد والشكر والثناء الجميل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ثم أتقدم بخالص عبارات البر والمحبة والتقدير والامتنان والافتخار، لوالـدي العزيز الذي ضحى بالغالي والنفيس في سبيل أن يراني شعلة في الأمة الإسلامية، ولأمـي الغالية التي حملتني وهنا على وهن، ووضعتني وهنا على وهن، وتحملت عناء تربيتي وهنا على وهن، أسأل المولى تعالى أن يبارك في عُمرهما، ويشفيهما، ويرزقهما الفردوس الأعلى.
كما أتقدم بعبارات الحب والجمال والشكر إلى رفيقة الدرب وأنيسة العمر؛ زوجتي الغالية فاطمة الزهراء برهون، التي اقتطعت معي أربع سنوات من عمرها في سبيل إتمام هذا العمل الكبير.
كما أشكر جميع مشايخي وأساتذتي وكل من علمني حرفا عبر هذه السنوات الطويلة، وعلى رأسهم أستاذي الكبير فضيلة الدكتور مصطفى المكتوني، وأستاذي فضيلة الدكتور عبد الرحيم العزاوي، فقد كان السند -بعد الله تعالى- المعين على إخراج هذا العمل العلمي إلى الوجود، والذي سهر على إفادتي ونصحي ليلا ونهارا منذ اليوم الأول وإلى آخر لحظات كتابة البحث.. فجزاكما الله عني خير الجزاء، ومتعكما الله تعالى بالصحة والعافية.
وبخالص عبارات المحبة والدعاء والثناء الجميل، أتقدم للسادة العلماء المتخصصين المدققين في لجنة المناقشة، على تحملهم أعباء قراءة وافتحاص هذه الرسالة، وتجشمهم عناء التصويب والتصحيح؛ فضيلة الأستاذ الدكتور ادريس بن الضاوية، فضيلة الأستاذ الدكتور توفيق الغلبزوري، فضيلة الأستاذ الدكتور عبد المنعم التمسماني، فضيلة الأستاذ الدكتور سلام أبريش.
كما أشكر كل من كانت له يد عون لي أثناء مراحل البحث، كلٌ باسمه، وأخص بالذكر أصحاب الأيَادي البيضاء علي؛ أخي الدكتور الألمعي يونس بقيان، وأخي الأستاذ النجيب عادل خزرون التطواني، على كل ما قدماه لي من إعانة طيلة سنوات البحث.
يقول المؤرخ المكناسي العلامة عبد الرحمن بن زيدان رحمه الله تعالى وهو يتحدث بحرقة عن علامة الريف عمر بن علي بن يوسف بن محمد بن هاد العثماني الملقب بابن الزهراء الورياغلي (كان حيا سنة 710هـ): “إنه أضاعه ومُؤَلفَه قومه وعشيرته من معاصريه فمن بعدهم، وأيَّ عالم يفخر به المغرب على المشرق أضاعوا “، هذه الكلمات رافقني صداها من أول يوم وقع فيه اختياري على هذا الكتاب وحتى آخر كلمة خطها قلمي، فكانت محفزا لي على اختيار هذا الكتاب الموسوم ب: ” الممَهَّدُ الكَبيرُ الجَامِعُ لمعَانِي السُّنَن والأَحكامِ، وما تضمَّنه موطأُ مالك من الفقه والآثار وذكر الرواة البررة الأخيار، وكلُ ذلك على سبيل الإيجاز والاختصار“، خدمة لتراث هذا العالم الكبير شيخ المالكية ببلاد المغرب الأقصى، الذي أهمله أبناء التاريخ، إذ إن غياب التقييد عند شيوخنا وطلبتنا في الجبال بشمال المغرب، قد فوت علينا معرفة كثير من الأنشطة العلمية التي عرفتها هذه البادية، وفوت علينا معرفة الكثير من الأسماء العلمية التي كان لها شأن كبير في هذه البادية، فطمست أخبارها، وغيب ذكر أحوالها وأنشطتها في الثقافة والممارسة العلمية، كما قال الدكتور عبد الله المرابط الترغي في كتابه: “من أعلام شمال المغرب “.
و ((الممهد الكبير لابن الزهراء)) كتابٌ جلِيلٌ، من دُرَرِ عُلماءِ بِلاد المغْرِب الأَقْصَى في العِناية بِمُوَطَّأ إمامِ دَار الهِجْرَة مَالِك بنِ أَنَسٍ، أبان فيه رحمه الله عن عُلُوِّ كَعبه في عُلوم الشَّرِيعة الإسلاميَّة، وسَلَك فيه مَسالِكَ المحَقِّقِينَ الرَّاسِخِين في العلم، وحلاه باختيارات دقيقة، واجتهادات سَديدة وترجيحات موفقة، استَند فيها إلى الدَّليل، وزاوج فيها بين المنقول والمعقول..
وعلى الرُّغم من أَهمية هذا الكتاب الذي يعد من أكبر الموسوعات العلمية في تاريخ المغرب الحافل بالإنجازات العلمية، فقد ظَلَّ حبيسَ رُفُوفِ المكتبات، فلم يَلْقَ العنايَةَ الَّتي يَستحِقُّها، ولم تُنْجَز عنه أية دراسة – حسب علمي – إلَّا ما يقُوم به ثُلةٌ منَ الطَلبة الباحثين في هذه الآونة،-أشرت إلى أسمائهم في الفصل الثاني من قسم الدراسة، عند التعريف بالكتاب- من مَجهُود جَبار في سَبيل تَحقيق أَجزاء من هذا الكتَاب، الأمرُ الذّي حَفَّزني لأضعَ قلمي إلى جَانبهم في سَبيل خدمَة المَذهَب المالكي عُمُوما وتُراثِ ابن الزَّهراء الورياغْلِي على وجْه الخُصُوصِ، ولتصحيح الصُّورة التي ترَسَّخت لدى كثير من البَاحثينَ عن الرِّيف (شمال المغرب الأقصى)، بوصفه أرضَ رباطٍ وجهادٍ ومُقاوَمَة، فغابَ الحديثُ عَن العُلماء والأدباء في الرِّيف عَلى امتداد تاريخه الطَّويل، بل إن هذه الفكرة استمرَّت إلى وقتنا الحاضر، ومن أسف أن بعض الناس جعل يردِّدها دون تمحيص أو تثبّت، وكأنها مسلّمةٌ مقْطُوعٌ بصِحَّتِها، يقول الدّكتور توفيق الغلبزوري مشخِّصا هذا الوَضْعَ بكثيرٍ من الحُرْقَة والألم : “طَالما سمعنا على أَلسنة المثقفين، بلهَ العوام، أنهُ لم يَخلُق الله في الريف عالماً، أَو مُحَدثًا، أَو مفسراً، أَو فقيهاً، أَو أُصولياً، أَو أَديباً… إنَّما الريفُ هو ريفُ الجهاد والبَارُود فحسب، حَتَّى أَصبَحت هذه الفكرَةُ مرض الوُسوَاس القَهري، الذي عمَّ وطمَّ، وسرى وفشى، وشَبَّ عليه الصغير، وشَابَ عليه الكبير، عند بعض المَغاربَّة خَاصةً، وعندَ غَيرهم عامةً، وصار الأَمرُ مُتوارثاً، يَرثهُ الأَبناءُ عن الأَبَاء، والأحفادُ عن الأجداد “.
هذه الصورة التي كانت سائدة حتى عند النخب والعلماء، فهذا العلامة المحدث أحمد بن الصديق الغماري -رحمه الله- ينفي في رسالته التي بعثها إلى تلميذه الشيخ العلامة محمد بن الأمين بوخبزة الحسني من القاهرة أن يكون في الريف عالم من العلماء المعتبرين، وقد أوردت صورةً للرسالة ضمن ملحقات البحث، بعد أن تحدثت عنها بتفصيل في المبحث السادس من الفصل الثاني، عند بيان منزلة كتاب ((الممهد الكبير)) بين شروح الموطأ.
من أجل هذا استنهضت الهمة، وعقدتُ العزمَ عَلى ارتيَاد هذا المَيدان العظيم -ميدان خدمة العلم، إسهاماً مني في البعث الحضاري المنشُود للأُمة الإسلامية عموماً وللمغرب الحَبيب على وَجه الخُصُوص، وكان القصد من وراء ذلك:
أولاً: التَّعريفُ بشخص العَلَّامة ابنِ الزَّهراء، واستعراضُ جُهُوده العِلمِيَّة في خِدْمَة المذهب المالكيِّ عُموما، وخدمَتُه موطَّأَ الإمام مالكِ بن أنسٍ رحمه الله على وجه الخُصوص.
ثانياً: إِخراجُ التُّرَاث العِلْمِي لابنِ الزَّهْرَاء الورياغلي إلى الوَاقِع العملي، وتَقْريبُه من المشتغلين بالعلم عُموما، والمهتمين بالحديث الشريف على وجه الخصوص، خاصة هذا الكتاب العظيم؛ كتاب ((الممهد الكبير)) الذي ظل طي النسيان قرونا من الزمن، فجاء دوره اليوم للتعريف به وإعطائه مكانته التي يستحقها.
ثالثاً: بيان ُجُهود عُلماء المغربِ الأقصى في خِدمة التُّراث العلميِّ والحديثيِّ والتَّاريخيِّ لعُلماءِ الإسلام، وعرضُ إسْهَاماتهم الجبَّارة في إثْراء السَّاحة العِلميَّة بمؤلَّفاتٍ وتَصانيفَ نافعةٍ، وفاءً ببعض حقِّ أئمتنا وعلماء وجهتنا، وإحياءً لذكراهم، وبعثا لمفاخرهم، وتعريفا بمأثرهم، وتخليدا لبعض أثارهم، ولعل الله سبحانه وتعال يقيض لهذه المَهَمَّة رجالاً أولي عصبة وقوة، يقومون بهذا العمل العظيم خدمة للعلم والعلماء، ونفعا للبلاد والعباد.
وإني جد سعيد أن أكون إحدى أمنيات العلامة عبد العزيز الدباغ –رحمه الله-، التي كان يرجو تحققها حين قال في كتابه: “من أعلام الفكر والأدب في العصر المريني “:(ولعل الاطلاع على هذا الجزء -يقصد الجزء الأول من ((الممهد الكبير))-، سيدفع الباحثين إلى تتبع ما يمكن الاطلاع عليه من أجزاء الكتاب الأخرى، وإلى تقصي أخبار هذا المؤلف الفاضل الورع، الذي وهب نفسه لخدمة العلم، ودراسة السنة الشريفة، واستخلاص الأحكام الفقهية من مصادرها الأساسية.
وإنهم إن فعلوا ذلك فسيضيفون إلى المكتبة الإسلامية كتابا جديرا بالتقدير وسيستغلون نصوصه العامة للمقابلة مع أصولها المطبوعة أو المخطوطة، وسينيرون السبيل لكل من يسعى إلى تقييم عمل هذا العالم، سواء في الإطار التنظيري، أو في الإطار التطبيقي..”.
ولله الحمد والمنة فقد تحقق ما كان يرجوه العلامة الدباغ-رحمه الله-، فقد قيض الله تعالى من يخدم تراث هذا العالم المالكي الكبير، ويعرف بسيرته، ويقرب اجتهاداته إلى الباحثين وإلى عموم المسلمين، ويكشف عن إسهاماته في الفقه الإسلامي عموما، وفي المذهب المالكي على وجه الخصوص.
وهذا الموضوع له أهمية جليلة عظيمة، وهذا ما جعلنِي أَختاره موضوعا لأطروحة الدكتوراه، وتتجلى هذه الأهمية في ما يأتي:
أولا: عنايته بأعظم الكُتُب التي دُوِّنت في سُنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بل هو عمدةُ المذهبِ المالكيِّ، وهو مُوَطَّأ الإمامِ مالك بنُ أَنس، إمامُ دار الهجرة، فكفى بهذا شرفاً، وأعظم به من كتاب.
ثانيا: كثرة موارده التي استقى منها رحمه الله، وما بثّه ونثره في ثنايا كتابه هذا، فقد أَتى على جلِّ ما ذكرهُ الحافظ ابنُ عبد البر والقاضي عياض وغيرهما من الأئمَّة الأعلام، الذين عُنُوا بالموطأ، كما أنَّ هذا الكتابَ العظيمَ صار عمدةً لجُلِّ من جاء بعد ابن الزَّهراء الورياغلي رحمه الله، فسار النَّاسُ بسيرهِ، واغْتَرَفُوا من بَحره الدِّلاء، ما بين مكثرٍ من ذلك ومقِلٍّ، وقد بينت ذلك في قِسم الدِّراسة.
ثالثا: نقله الكثير من مذاهب السَّلف من الصَّحابة والتّابعين، والأئمّة المتبُوعين، وعرضه آراءَهُم وحججهم بعدلٍ ونَصَفَة، ومحافظته عليها بوفاء وأمانة.
رابعا: اختياراتُهُ العلميةُ الفقهيةُ والحَديثيةُ، الَّتي نصَّ عليها صراحة في كتابه، إذ لم يكن ابن الزهراء -رحمه الله- مجرد ناقل غير مُمَيِّزٍ لما ينقله، بل بيَن رحمه الله اختياراته واجتهاداته، وحلَّاها بترجيحات دقيقة، ونكت بديعة شاهدةٍ على نبوغه وتقدّمه.
خامسا: قلَّةُ ما طبع لعلماء بلاد المغرب الأقصى في شُروح المُوطأ، إذ جُلُّ الموجود والمطبوع كتب أندلسيَّة ومصرية، حتى شاع بين الكثيرين بأنّ علماء مغربنا الحبيب مقلِّدون لغيرهم، سائرون بسيرهم.
وَقد وقع اختياري على كتاب ((الممهد الكبير)) للاشتغال عليه في أطروحَة الدُّكتوراه لسببين رئيسيْن:
أَولهما ذَاتيٌ، وثَانيهما مَوضُوعيٌ.
فأما ما يخصُّ الأسبابَ الذَّاتِيَّة، فيُمكنُني إجمَالُهَا فيما يلي :
حُبي لعلم الحَديث الشَّريف عموما، والرَّغبةُ في خدمة كلِّ ما له علاقةٌ بِسنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم، رجاءَ الاندرَاج في سِلك أَهلهَا، وشَغفي بالتراث المخطُوط لعُلمَاء المسلمين عموما، والمتَعلق بعُلمَاء مَغربنَا العزيز خصوصا، إذ نحنُ أَحوج إلى إظهَار هذَا التُّراث العلمي العَظيم، أَكثر من تَكرار الكلام في مَوضُوعَات سبقَ الكَثير إلى الكتَابة فيهَا وبَحثهَا، ولهذا نادى كثيرٌ من الغَيُورين إلى ضرُورة صَرْف الهمّة صوبَ هذا المجال، وإيلائِه العنَايةَ اللَّائقَةَ به، وفاء ببعض الجميل لأعلام الأُمّة، واعترافا منَّا بالفضل الذي أَسْدَوهُ للإِسلام والمسلِمِين.
وأما بالنِّسبة لِلْأَسْبابِ الموضُوْعيَةِ، فيمكِنني إجمالُهَا فِيما يَلي:
أولا: ضرورةُ تَحْقِيِقِ هذا الكتاب تحقيقًا علميًّا، مُرتكزا على مُقوِّمات التَّحقيق والتَّوثيق العِلمي، لما تقدَّم من بيان أهميته ومَكانة مُؤلِّفه.
ثانيا: قيمةُ هذا الكتاب العلمية، إذ يحتلُّ مكانةً مرمُوقة بينَ شُروح الموطَّأ، حيثُ اعتمد رحمه الله على أهمِّ شرحين من شروح هذ الكتاب للحافظ أبي عمر ابن عبد البر (ت: 463 هـ)،-التمهيد والاستذكار، ومن مَوارِده الَّتي استَقى منها أيضًا شُروحُ القاضي عيَاض اليَحصُبِي(ت: 544 هـ ) على الموطأ، وغيره من أئمة المالكية رحمه الله كما بينت في قسم الدراسة.
وبعد البحث الشديد وسؤال أهل الاختصاص عن جهة علمية أو أكاديمية حققت هذا السفر من كتاب ((الممهد الكبير)) كلا أو جزءا، فإنني لم أقف على من أقدم على تحقيقه من قبل، فالحمد لله في الأولى والآخرة أن خصني بهذا الشرف.
أما باقي الأسفار الأخرى فقد اشتغل بعض الباحثين على بعضها في مختلف الجامعات المغربية، كما بينت ذلك في قسم الدراسة.
وقد اعتمدتُ في تَحْقِيقِ كتابِ ((الممهد الكبير)) لابنِ الزَّهْراءِ الورياغْلي على نُسْخَةٍ فريدة، لا أَعلمُ لها ثانيةً بَعْدَ البحث الشديد، وسؤَال أهل الاختصاص، وَسلكتُ في تحقيق النص وَفْقَ المنهج العلميّ المعتمد والمتبع في مثل هذه الموضوعات:
من حيث كتابةُ النص، ومقابلتُه، وضبطُ المشكل منه بالشكل، واستدراكُ ما وقع فيه من السَّقْطِ، اعتمادا عل موارده التي استق منها؛ مع العناية بالنصوص والنقول فيه، سواء ما يخصُّ عزو الآيات القرآنية، وتخريجِ الأحاديث والآثار من مظانِّها، وتذييلها بأحكام أئمة الحديث تصحيحا وتضعيفا، وتعليلاً، والحرصِ عل توثيق الفروع الفقهية بالرجوع إلى المصادر المعتمدة عند أهل كل مذهب من المذاهب الفقهية، والحرصِ على توثيق الإجماعات من الكتب التي عُنِيت بذلك، والتعريفِ بغير المشهورين من الأعلام، مع توجيه العناية إل الأشعار والأراجيز التي يستشهد به، وتخريجيها من مظانها كما تقتضيه مناهج البحث العلمي الأكاديمي، ونحو ذلك كما هو مبسوط في أصل البحث.
أما فيما يخص خِطَّةَ البحث فقد جعلت الموضوع في مقدمة وقسمين وخاتمة.
أما المقدِّمة فقد خصصتها للتوطئة للموضوع حسب ما تقتضيه البحوث الأكاديمية، بالكشف عن أهمية الموضوع ودواعي اختياره، ومنهج بحثه وخطته.
وخصصت القسم الأول للدراسة، وقد تناولته في فصلين، جعلتُ أوَّلهما خاصا بالإمام ابن الزهراء، والتعريف به، وتكلمت في الثاني عن كتابه ((الممهد الكبير))، وأسهبت في بيان أهم معالم منهجه الذي سار عليه، مع بيان صُوَى شخصيته الحديثية والفقهية والأصولية واللغوية.
ثم عرّفت بالنسخة المعتمدة في التحقيق بذكر أصلها، وبيان وصفها.
والقسم الثاني جعلته لتحقيق النَّصِّ، وقد استرشدتُ في ذلك بالمنهج العلمي المتبع عادةً كما نبه عليه أهل الصَّنْعَة.
وختمت البحث بذكر أهم نتائجه، مع ذكر ما عَنَّ لي من التوصيات والمقترحات بخصوصه، وتفصيل ذلك كُلِّه في مقدمة هذا البحث.
وَروما للاستفادة من الموضوع، فإنني ذيلته أخيرا بجملة من الفهارس الفنية المختلفة، تقريبا للقارئ، وتيسيرا للاطلاع على هذا الكتاب.
وكأي بحث علمي خاصة في مجال تحقيق المخطوطات، لابد أن يواجه صاحبَه بعض الصعوبات قبل وأثناء البحث، فمن تلك الصعوبات:
أولا: صعوبة العثور على ترجمة وافية للإمام ابن الزهراء -رحمه الله-، فقد تنقلت بين كثير من المكتبات لعلي أظفر بشيء عن حياته العلمية في بطون كتب أخرى، لكن دائما ما كنت أعود بخفي حنين، فلا أعثر إلا على تلك المصادر التي تحدثت عنه باقتضاب شديد، والتي لا تتجاوز رؤوس الأصابع، فقد بلغت من البحث ما ارتفع معه العتاب علي.
ثانيا: واجهتني صعوبة أخرى في جمع المادة العلمية عن الإمام ابن الزهراء من المجلات والصحف القديمة، والكتب التي لم تطبع إلا مرة واحدة- بعضها لا يوجد إلا في المكتبات الخاصة- أو التي مازالت مخطوطة ومفرقة على المكتبات الوطنية.
ثالثا: كتب المؤلف -رحمه الله- كلها مخطوطة ومحفوظة في عدة خزانات مغربية ودولية، فكان من الصعوبة بمكان أن أسافر إلى كل هذه المدن وأصور ما فيها من الأجزاء، لكن هذا لم يمنعني من الوصول لبعضها، والاستفادة من الأخرى عن طريق الباحثين الآخرين، سواء المشتغلين على كتاب ((الممهد الكبير))، أو باقي مؤلفات ابن الزهراء الأخرى، إلا كتاب ((أنوار أولي الألباب في اختصار الاستيعاب)) فقد طبع مؤخرا بتحقيق الدكتور يونس بقيان، أشرت إليه في المبحث العاشر من الفصل الأول، عند الحديث عن مؤلفات ابن الزهراء وآثاره العلمية.
وأخيراً إذا كانت هذه الموسوعة العظيمة توجد بالمكتبة المغربية منذ عقود من الزمن حتى كادت تفقد، فلا شك أن هناك نوادرَ أخرى طالها النسيان في رفوف المكتبات، تحتاج إلى الاستعجال في إخراجها إلى حيز الوجود حتى لا يضيع تراثُ الأمة المغربية وإرثُ علمائها.
فهذه دعوة عاجلة للطلبة الباحثين في المغرب إلى التشمير عن ساعد الجد، وَشَحْذ الهمم للبحث عن تراث هذا البلد العظيم بعلمائه في رفوف المكتبات، حفظا له من الضياع، وخدمة للعلم والبلاد، وقياما بواجب الأمانة التي طُوقْنَا، وفاءً بحق علمائنا الأفذاذ، وإحياء لذكراهم رحمهم الله تعالى ورفع درجتهم في عليين.
وهي كذلك دعوة لمراكز البحث العلمي في مختلف الجامعات المغربية لتشكيل فرق بحث متخصصة في تحقيق التراث، حتى لا يأتي يوم نتحسر فيه على ما ضاع من بين أيدينا، ونستحق اللوم والعتاب من الأجيال القادمة.
ومرة أخر أجدد الشكر والثناء للسادة العلماء في هذه اللجنة المباركة، عل جهودهم التي بذلوها تقويما للبحث، وسدا للخلل الواقع فيه، متعهدا بكل أمانة ومسؤولية أن أصححها في القريب العاجل..والحمد لله رب العالمين.
خاتمة المناقشة:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وله الشكر على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله..
ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ولك الشكر على كل نعمك التي لا تعد ولا تحصى، الحمد لله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله.
في ختام هذه المناقشة العلمية المباركة، لا يسعني إلا أن أجدد عبارات المحبة والشكر، والدعاء والثناء الجميل، للسادة العلماء الأجلاء في لجنة المناقشة؛ فضيلة الأستاذ الدكتور ادريس بن الضاوية، فضيلة الأستاذ الدكتور توفيق الغلبزوري، فضيلة الأستاذ الدكتور عبد المنعم التمسماني، فضيلة الأستاذ الدكتور سلام أبريش، على تحملهم أعباء قراءة وافتحاص هذه الرسالة، وتجشمهم عناء التصويب والتصحيح، وعلى توجيهاتهم وتصحيحاتهم السديدة التي سأعمل على استدراكها في القريب العاجل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الباحث المناقَش: عماد البكاري
0 تعليق