الحمد لله رب العالمين، حمدا يليق بعظمة وجهه وعظيم سلطانه، أحمده جل وعلا وأشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين محمد بن عبد الله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد؛ السادة الأساتذة العلماء، أعضاء هذه اللجنة الموقرة، أساتذتي وشيوخي الفضلاء،
بداية بعد شكر الله تعالى، أتوجه بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضل: الأستاذ الدكتور ابراهيم بن عبلا الذي قبل الإشرافَ على هذا البحث، ومساعدتي على العمل على تحقيق جزء من كتاب “الممهد الكبير” لابن الزهراء الورياغلي، وعلى مدِّ يَدِ العون والمساعدة في مراحل البحث كلها من بدايته إلى نهايته، فقد أرشدني إرشادات جليلة، وسهل علي العمل بأن فتح صدره للباحث وبحثه، مع طلاقة وجهه ومحياه كلما وقع الاتصال به، أو تَجَدَّدَ اللقاء معه، كما كان دائم التشجيع والتحفيز، فلم يَأْلُ جهدا في تقديم كل ما من شأنه أن يُسهم في إخراج هذا البحث على أحسن صورة، وأجمل حلة، من تصحيح، أو تصويب، أو توجيه، أو تذكير، أو تحفيز أو تقديم نصيحة، أو دعوة إلى لقاء أو ندوة أو غير ذلك، كما مكنني حفظه الله من مجموعة من المصادر والمراجع القيمة من خزانته الخاصة، فجزاه الله عني أحسن الجزاء، وسدد خطاه، وحقق مراده في بقية حياته العلمية والعملية.
كما أشكر جميع من أسهم في هذا البحث بتقديم مساعدة، أو توجيه، أو تقديم إفادة أو غير ذلك، وعلى رأسهم أعضاء هذه اللجنة المباركة، الذين وافقوا على قراءة ومناقشة هذا البحث، وهم: أستاذي الفاضل، الدكتور: عبد الله أكرزام، وأستاذي الكريم الدكتور: محمد أمنو، وأستاذي الفاضل، الدكتور: عمر اعميري، وأستاذي الفاضل، الدكتور: محمد بوت، فجزى الله الجميع خير الجزاء.
كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى عميد هذه الكلية العتيدة أستاذنا الدكتور عبد العزيز بلاوي، وإلى أطرها الإدارية والتربوية جميعا.
وأستأذنكم أساتذتي الأفاضل في قراءة وتقديم هذا التقرير الموجز والمركز عن رسالتي فأقول:
إن العلوم الشرعية مبناها على أساسين وأصلين، أولهما: كتاب الله ﷻ، الذي هو نور وهدى ورحمة للعالمين، وهو الذكر الحكيم، والصراط المستقيم، والكتاب الذي لا تنقضي عجائبه، وثانيهما: سنة رسوله ﷺ، التي جعلها الله ﷻ تبيانا للكتاب، ونورا يَهتدي به أولو الألباب، وقد سخر الله سبحانه لحفظها وتبليغها رجالا صادقين، وعلماء حفاظا متقنين، ورواة من الثقات المهتدين، الذين قاموا بحفظها وجمعها وصيانتها إلى أن انتشرت في الآفاق، وبلغ صداها الأمصار المختلفة.
ومن هؤلاء العلماء الذين قيضهم الله لحفظ سنة نبيه: إمامُ دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله، وهو صاحب كتاب “الموطأ” الذي بلغت شهرته الآفاق، وهو كتاب حديث وفقه كما هو معروف، وكان مالك رحمه الله إماما معروفا بمناقبه وفضائله وعلمه، تحدث عنه الأولون كما المعاصرون في عشرات – وربما مئات – من المؤلفات التي لم تترك مجالا من سيرته إلا طرقته بشكل واف ودقيق.
وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله قائمة من الأعلام من السلف والخلف من هذه الأمة، الذين تناولوا إمام دار الهجرة وسيرته الذاتية والعلمية، مما يغنينا عن تكرار ذلك وإعادته.
ولما كانت للإمام مالك ولموطئه مكانة وقيمة خاصة في قلوب المغاربة، كتب الله لهم أن يتمذهبوا بمذهبه وأن يعتنوا بموطئه، وكان ذلك بسبب رحلات طلبة العلم من المغرب والأندلس إلى المشرق خلال منتصف القرن الثاني الهجري. ومن المعلوم أن أول كتاب حديثي دخل إلى المغرب الأقصى هو كتاب “الموطأ”.
ولقد قيض الله لهذا الكتاب من العلماء من اهتم به تدريسا وشرحا وتعليقا، كما تكلموا عن رجاله، وشرح غريبه، بل هناك من ألف في مسنده، وهم كُثُر يطول المقام بذكرهم، ومنهم العالم الجليل والفقيه المحدث: أبو علي عمر بن علي بن يوسف، المعروف بابن الزهراء الورياغلي، في شرحه الموسوم بـ”الممهد الكبير الجامع لمعاني السنن والأحكام، وما تضمنه موطأ مالك من الفقه والآثار، وذكر الرواة البررة الأخيار، وكل ذلك على سبيل الإيجاز والاختصار”.
وقد بلغت أسفار هذا الكتاب واحدا وخمسين سفرا، معظمها ضاع، والبعض الآخر دُشوت وشذرات هنا وهناك متفرقة في خزائن المغرب، ومعظمها بخزانة القرويين.
وهذا بيان مفصل لمقدمة هذا البحث، من دواعي اختياره، والإشكالية التي يعالجها، وأهداف البحث ومنهجه وخطته، والصعوبات التي اعترضت سبيلي في إنجاز هذا العمل.
أولا: أسباب اختيار الموضوع
لقد قررت واخترت الاشتغال على كتاب “الممهد الكبير” بعد الاستعانة بالله عز وجل واستخارته في العمل عليه والتقديم له وتحقيقه، وقد كانت وراء هذا الاختيار أسباب كثيرة أُجْمِلُهَا فيما يأتي:
- أنه كتاب يستحق نفض الغبار عنه نظرا لأهميته العلمية، وسعيا إلى حفظه من الضياع، وصونا للتراث الإسلامي عموما من الإهمال والتهميش، وإخراجه من رفوف الخزانات ليرى النور، واعترافا لصاحبه بمجهوده الجبار في تأليفه وتنسيقه وجمعه، وإحياء لهذه الصدقة الجارية لينتفع بها في آخرته. وقد ساعدتني على خوض غمار تحقيق هذه النسخة من هذا الكتاب الضخم القيم أمور كثيرة، أُجملها فيما يأتي:
- وجود المصادر التي نقل منها المؤلف، وأغلبها محقق مطبوع.
- وجود مصادر ناقلة عن المخطوط؛ لكنها نادرة جدا، وتعد على رؤوس الأصابع، من ذلك ما ذكره عبد الرحمان بن زيدان في كتابه: “تبيين وجوه الاختلال في مستند إعلان العدلية لثبوت رؤية الهلال” حيث تحدث عن ابن الزهراء وعن كتابه “الممهد الكبير الجامع”، ومما قاله في شأن النقل عنه: “لا أعلم أحدا ذكره أو نقل عنه غير الوزير الأحمدي في كناشته، وأبي زيد الفاسي في حواشيه على مختصر خليل.
- أن النص المحقق واضح في جميع لوحاته إلا بعضا منها، وخاصة في نهاية المخطوط، إضافة إلى أن المخطوط واضح الخط منقوط، وقليل البياض والتصحيف والمحو والكشط، وخال مما أتت عليه الأرضة أو الرطوبة، إلا نادرا.
- لأن موضوع الكتاب له علاقة وطيدة بالمذهب المالكي، بل بموطأ الإمام مالك رحمه الله رواية ودراية وشرحا وتحليلا وتعليقا، خاصة إذا علمنا أنه يتضمن نصوصا نفيسة من كتب المتقدمين ممن لم تصل إلينا كتبهم كما أسلفنا، فأردت أن أستفيد ويستفيد معي الباحثون من بعدي من هذا الكتاب ومن قيمته العلمية، الذي مضى على تأليفه أزيد من سبعة قرون، كما أنه يعتبر من أكبر شروح “الموطأ” كما يظهر ذلك من عدد أسفاره.
- لأنه كتاب ضخم وموسوعة علمية كبيرة، وضخامة المؤَلَّف تدل على غزارة علم المؤَلِّف ومكانته العلمية، لذلك ارتأيت الاهتمامَ بسِفر منه وتحقيقَه، والتعريفَ به وبمنهج مؤلِّفه فيه، والاستفادَة منه، وإخراجَه للأجيال اللاحقة ليكون منطلقا للباحثين بعدي من أجل الاهتمام بتراث هذا العالم والاستفادة منه.
قال الأديب الكبير عبد الكريم ابن الحسني الرباطي أثناء حديثه عن مزايا كتاب “المعسول” للمختار السوسي – رحمه الله -: “ولا أستحضر الآن مغربيا ألف كتابا يقارب أو يماثل هذا (المعسول) في عدد أجزائه، إلا ما كان من رجلين: أحدهما عمر بن علي بن يوسف بن محمد بن هادي، المعروف بابن الزهراء، الورياغلي العثماني العمراني، فقد شرح “الموطأ” بكتابه “الممهد الكبير الجامع لمعاني السنن والأحكام وما تضمنه موطأ مالك من الفقه والآثار” في واحد وخمسين مجلدا.
وهذا الكلام يُنبئ عن سعة علم المُؤَلِّف، وضخامة وقيمة المُؤَلَّف، إذ جمع فيه مصنِّفُه – رحمه الله – ما تفرق في غيره من كتب الحديث وشروحها، وكتب الفقه وأنواعها، ولم يخلُ من فِقَرٍ صالحة من التفسير وكتب التراجم والتاريخ وغريب الحديث ومعاجم اللغة، وغيرها، وهذا نادر في المصنفات التي تناولت فقه الحديث عامة، وشرح الموطأ خاصة.
- أن الكتاب اشتمل على نصوص نفيسة ونادرة لفقهاء أعلام أغلبهم لم تصل إلينا أصول كتبهم، بل ضاعت فيما ضاع من نفائس الفقه الأصيل، وذلك مثل كتاب الموازية لمحمد بن المواز، وكتاب “شرح أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري” على “المختصر الكبير” لعبد الله بن عبد الحكم وغيرهما.
- لأن ابن الزهراء الورياغلي رحمه الله مغربي الأصل، من أعلام الريف ببلادنا المغرب الأقصى، وهذا داع لإظهار شخصيته بوصفه عالما مغربيا يضاف إلى الأعلام الكبار في المذهب المالكي، ولا يقل مكانة عن سابقيه من شراح “الموطأ”، فأردت أن يكون موضوعي حول علم من أعلام هذا المذهب، ومن فقهاء هذا البلد السعيد، اعترافا بفضله، وتخليدا لذكره، ونفضا للغبار عن مؤَلَّفه، وتوضيحا لمنهجه فيه، وبيانا لفقه الحديث عنده.
- لأنه ينقل بعض المسائل الفقهية من غير الكتب المشهورة في المذهب، وهذه الميزة تضيف قيمة علمية أخرى للكتاب؛ لاحتوائه على نصوص نادرة منقولة من كتب لم نطلع عليها لحد الآن -حسب ما اطلعنا عليه، والله أعلم-.
- إغفال الباحثين والدارسين لتاريخ الريف الإسلامي الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ المغرب والأندلس خاصة، وتاريخ الإسلام عامة، وتقصيرهم في البحث والتنقيب عن علمائها، كل هذا دفعني إلى رد الاعتبار لهذه المنطقة وبيان ما لعلمائها من دور في حياة الفرد والمجتمع على مر الأزمان.
- رغبتي الملحة في إغناء ثقافتي ورصيدي المعرفي، وذلك بالتعامل والاحتكاك مع مؤلفات المذهب المالكي، مع الإسهام – ولو بالنزر اليسير – في إغناء المكتبة المالكية.
ثانيا: إشكالية البحث.
ثمت عدة تساؤلات وإشكالات يثيرها هذا الموضوع الذي اشتغلت عليه، وهو تحقيق جزء من كتاب “الممهد الكبير” لابن الزهراء الورياغلي، الذي تناول “الموطأ” بالدرس والتحليل، وما أحوجنا في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى إلى فقه حديث رسول الله ﷺ، الذي غفل عنه الكثيرون، ولذلك كان من الضروري، ومن الواجب على طالب العلم الشرعي، رد الاعتبار إلى فقه الحديث، وبيان فضله، والاهتمام به كما اهتم به الأقدمون، واستنباط الأحكام من أحاديث رسول الله ﷺ، ودحض فكرة أن كتب المتقدمين أكل عليها الدهر وشرب، وبيان أنها هي الأصل، وعليها المعتمد بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، وذلك بإحياء التراث المخطوط، الذي خلفه علماءنا الأجلاء وخاصة في المذهب المالكي.
وفي هذا السياق جاء هذا البحث ليسهم في نفض الغبار عن جانب من تراثنا المجيد، وكان اختياري لجزء من كتاب “الممهد الكبير” وهو من الكتب التي تناولت فقه الحديث بامتياز، واستحق تبعا لذلك أن نعرف به وبصاحبه، مرورا بعصره، ومنهجه وأسلوبه ومصادره، ولذلك قمت بالإجابة على إشكالية هذا البحث والتي حاولت صياغتها على الشكل الآتي.
- ما هو العصر الذي عاش فيه ابن الزهراء الورياغلي، وهل كان له أثر في حياته العلمية والفكرية؟
- من هو صاحب المؤلَّف المذكور وما مدى صحة نسبة كتاب “الممهد الكبير” إليه، وما هي مؤلفاته الأخرى إن وجدت؟
- هل سار ابن الزهراء على منهج من سبقه من أئمة المذهب في دراسة وشرح نصوص الموطأ، أم كان له منهج آخر في تعامله مع نصوص هذا الكتاب؟
- ما هي المصادر التي اعتمدها المؤلف في شرحه للموطأ؟ وهل ترجم لرواته؟ وما هي مصادره في ذلك؟
- ما هو الأسلوب الذي اعتمده ابن الزهراء الورياغلي، وتميز به عن غيره من شراح الموطأ، وبمعنى آخر: ما هي الإضافات التي قدمها في هذا الشرح وتميز بها عن غيره؟
رابعا: أهداف البحث
لا شك أن لكل بحث أهدافا يصبو محرره إلى تحقيقها، وقد تتنوع هذه الأهداف وتتعدد حسب التخصصات العلمية المختلفة، ويبقى الهدف الأسمى من البحث في العلوم الشرعية واحدا، وهو: الدفاع عن شرع الله كتابا وسنة، والإسهام في نشر العلم الشرعي والذب عنه قدر المستطاع، فنرجو أن يكون هدفنا الأسمى كذلك.
ومن أهداف هذا البحث – إضافة إلى ماذكرناه -، ارتأيت أن أسجل النقاط التالية التي آملُ وأرجو من الله أن تتحقق، وهي الآتي:
- بيان مكانة ابن الزهراء العلمية وأن مؤلَّفه يعتبر – بحق – مؤلَّفا جليلا يستحق التحقيق والدراسة والبحث، لأنه تناول أهم مصدر من مصادر الفقه المالكي، ألا وهو “موطأ” الإمام مالك.
- إخراج هذا السفر من هذا الكتاب إلى الوجود على الصورة التي أرادها صاحبه، أو قريبا من ذلك، وحتى تتم الاستفادة منه أولا، ثم ليكون منطلقا لمن جاء بعدي من الباحثين لتحقيق ما تبقى من الأسفار، ولتعميق البحث والدراسة حول هذه الشخصية العلمية المغربية المنسية.
- إثبات أن ابن الزهراء رحمه الله تناول في كتابه “الممهد الكبير الجامع” شرح كتاب “الموطأ” شرحا وافيا، إلا أنه استفاد ممن سبقه، وكان له منهجه الخاص به في ذلك، وجمع في شرحه هذا بين مؤلفات كثيرة في الفقه والحديث والتاريخ واللغة وغريب الحديث والمعاجم وغيرها من كتب المتقدمين.
- دعوة الباحثين انطلاقا من هذا البحث إلى الاهتمام بفقه هذا العالم، ونفض الغبار عنه حفاظا له من الضياع، وإسهاما في إخراج تراث العلماء المغاربة إلى الوجود، خاصة أن موضوع كتابه هو شرح “موطأ” إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله.
خامسا: صعوبات البحث
أثناء إنجاز هذا العمل واجهتني صعوبات أذكر من بينها:
- بعد تفريغ النسخة المعتمدة في التحقيق ومراجعة المكتوب، كنت على استعداد للسفر إلى بعض المدن التي علمت أن بها بعض أسفار هذا الكتاب كالرباط، وفاس، ومراكش، ومكناس، وغيرها من المدن لعلي أظفر ببعض نسخ السفر المخطوط الذي أشتغل عليه.
في هذا الوقت بالذات ضرب العالمَ وباءُ “كورونا”، فاتخذت الدول تدابير الوقاية منه، ومن ذلك بلدنا الحبيب، الذي فرض بدوره فترة الحجر الصحي، مما حال دون السَّفر ودون الاستفادة من المكتبات والخزائن الوطنية، مع العلم أن الذين سبقونا إلى هذا المخطوط لم يحققوا منه ما حققوا إلا على نسخة واحدة، – حسب ما وصلنا – بعد أن استفرغوا جهدهم في البحث عنها، ومنهم الدكتور يونس بقيان، السباق إلى العمل عليه، وهو الذي أمدنا جميعا بما صوره من نسخ هذا المخطوط مشكورا.
- صعوبة قراءة بعض اللوحات الأخيرة في المخطوط، لأن تصويرها كان رديئا جدا، وكانت بالأبيض والأسود، إضافة إلى الطمس الذي كان يعتري بعضها، وكذا السقط الذي لا تخلو منه بعض هذه اللوحات.
- تمت الاستعانة في التحقيق ببعض المصادر المطبوعة التي نقل منها المصنف رحمه الله، إلا أني وجدت في البداية صعوبة في منقولاته عن “شرح الأبهري” على “المختصر الكبير” لابن عبد الحكم الذي لم أتوصل ببعض أجزائه المخطوطة إلا قبيل نهاية البحث، ثم توصلت بعد ذلك به محققا مطبوعا ولله الحمد والمنة، وإن كان غير تام لا يشمل جميع الأبواب.
- من الصعوبات أيضا أن ابن الزهراء الورياغلي صاحب “الممهد الكبير” كان مغمورا منسيا لم نجد له ترجمة وافية تشفي الغليل، إلا ما ذكره هو عن نفسه في بداية كل سفر من أسفار هذا الكتاب، وهذا النسيان دُفنت معه كثيرٌ من القضايا المتعلقة بهذا العالِم مما يتعلق بحياته العلمية والاجتماعية وغيرها، كما أن المراجع المتعلقة بهذا الموضوع لم تقدم لنا معلوماتٍ كافيةً عن هذا العالم؛ إلا ما كان من شذرات متناثرة هنا وهناك لبعض الباحثين المعاصرين سيأتي ذكرها في حينها.
وكل ما ذكرناه من قلة مظان ترجمته تشكل صعوبة تواجه الباحث العازم والمُقدِم على دراسة وتحقيق تراثه المخطوط رغم أهميته.
سادسا: منهج البحث
بعد مقدمة هذا البحث، تناولتُ القسم الأول وخصصته للتقديم الذي تحدثت فيه عن الحياة السياسية والثقافية في عصر ابن الزهراء الورياغلي، وعرفت بالمؤَلِّف والمؤَلَّف، وذلك حسب المنهج المتعارف عليه في البحوث العلمية، من غير إطناب مُمِل ولا وإيجاز مُخِل.
ثم انتقلت إلى القسم الثاني وهو قسم التحقيق، فاتبعت فيه المنهج الآتي:
- نسخت المخطوط المراد تحقيقه وفق ما يقتضيه الرسم الإملائي الحديث مع مراعاة الضوابط المعمول بها في هذا السياق، وحاولت ضبط النص على نحو ما يريده المؤلف، أو قريبا من ذلك.
- لا أغير ما في الأصل المخطوط ما دام له وجه صحيح في القراءة، وقمت بتصحيح وإصلاح ما بدا لي في النص من نقص، أو تحريف، أو تصحيف، أو خطأ لغوي – حسب علمي – في الهامش، حفاظا على النص المحقق كما ورد.
- لا أضيف إلى نص المخطوط وعمل المصنف أي نص أجنبي عن كتابه، لا بدعوى السقط، ولا بدعوى أنه ينفع القارئ ويسهل عليه فهم النص، فإن كانت عندي إضافة، أو استدراك، أو تهذيب، أو أي فائدة أخرى مفيدة فمحلها الهامش لا غير، باستثناء كلمة “ابن” فإنني أصححها حسب ما تقتضيه القاعدة في ذلك، لأن الناسخ في بعض الأحيان يكتبها بالألف إن كانت بين علمين، كما أنه يحذفها عند عدم وجودهما، والعكس هو الصحيح.
- قمت برسم الآيات القرآنية بالرسم العثماني برواية ورش عن نافع، مع تخريجها في الهامش بذكر اسم السورة ورقم الآية.
- وثقت النقول التي توصلت إلى مصادرها من أصولها المطبوعة أو المخطوطة.
- قمت بتخريج الأحاديث والآثار من كتب السنة المشهورة، فأبدأ بذكر الكتاب والباب والراوي، ثم أختم برقم الحديث، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما، فإني لم أعلق عليه بشيء، وإن كان في غيرهما أذكر حكمه بنقل كلام أهل الاختصاص فيه.
- حاولت الترجمة للأعلام غير المشهورين الوارد ذكرهم في متن الكتاب، وبينت أسماءهم وكناهم وبعض مؤلفاتهم ووفاتهم، وختمت الكلام عنهم بذكر بعض مصادر ترجمتهم، وكل ذلك بإيجاز واختصار.
- تجنبت الإطناب في التعليقات في الهامش، وذلك لعدم إثقال الهامش على حساب المتن الذي هو الأصل.
- قمت بشرح الكلمات والعبارات الغريبة والصعبة في المتن، وذلك لتسهيل فهم النص، مستعينا في ذلك بكتب اللغة وغريب الحديث المعتمدة في ذلك.
- أشرت إلى بداية الصفحات من الكتاب المخطوط بخط مائل قبل أول كلمة من بداية الصفحة، ووضعت رقم اللوحة المخطوطة بالحاشية، مشيرا بحرف (و) إلى وجه اللوحة، وبحرف (ظ) إلى ظهرها.
ثامنا: خطة البحث
لقد اقتضت طبيعة هذا البحث أن يشتمل على مقدمة وقسمين رئيسيين، مع ما يتبع ذلك من فصول ومباحث ومطالب وفقرات.
أما المقدمة: فقد تناولت فيها أسباب ودوافع اختياري لهذا الموضوع، وإشكاليته، وأهداف البحث، والدراسات السابقة، والتحديات والصعوبات التي واجهتني أثناء العمل، والمنهج الذي اعتمدته، والخطة التي أنجزتُ البحث وفقا لها.
وأما القسم الأول: وهو قسم التقديم، فقد تحدثت فيه عن كتاب: “الممهد الكبير” في فصلين:
الفصل الأول: خصصته للحديث عن ابن الزهراء الورياغلي مؤلف “الممهد الكبير”.
واشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تحدثت فيه عن عصر المؤلف: وتطرقت فيه للحياة السياسية والثقافية، وذلك في مطلبين.
المبحث الثاني: تحدثت فيه عن حياة ابن الزهراء الورياغلي: اسمه، ونسبه، وكنيته، ولقبه، ومولده، ونشأته العلمية، ووفاته وآثاره العلمية، وذلك في خمسة مطالب.
المبحث الثالث: عرفت فيه بكتاب “الممهد الكبير”، وذلك بتوثيق اسم الكتاب، وصحة نسبته إلى مؤلفه، وسبب وضع الكتاب، وتاريخ تأليفه، وموضوع الكتاب، ومحتواه.
الفصل الثاني: ذكرت فيه مصادر ابن الزهراء الورياغلي التي اعتمدها، مع بيان منهجه في “الممهد الكبير”، ثم بيان المنهج المتبع في التحقيق، واشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: ذكرت فيه أنواع المصادر التي اعتمدها.
المبحث الثاني: تحدثت فيه عن منهجه في التأليف.
المبحث الثالث: وصفت فيه النسخة المعتمدة في التحقيق وبيان المنهج المتبع فيه.
وأما القسم الثاني: وهو قسم التحقيق.
ويتناول كتاب الأقضية، من باب القضاء في كراء الدابة والتعدي بها، إلى باب القضاء في ميراث الولد المستلحق.
ختمت البحث وذيلته بوضع فهارس علمية متنوعة، الهدف منها تيسير الوصول إلى المعلومة بسهولة، وهذه الفهارس هي:
أ. فهرس الآيات القرآنية.
ب. فهرس الأحاديث النبوية.
ج. فهرس الآثار.
د. فهرس الأعلام.
هـ. فهرس المصطلحات المشروحة في البحث.
و. فهرس الأبيات الشعرية.
ز. فهرس الأمم والقبائل والفرق.
ح. فهرس الأماكن والبلدان.
ط. فهرس المصادر والمراجع.
ي. فهرس الموضوعات.
هذا وأحمد الله عز وجل وأشكره على أن وفقني لإتمام هذه الرسالة، فهو نعم المولى ونعم النصير، كما لا أدعي الكمال في بحثي هذا، فما كان فيه من صواب في أي مبحث أو مطلب فهو نقل من كبار أهل العلم ومن تحرير أهل المذهب، وما كان فيه من خطأ فمن خلط حصل مني، أو وهم ناتج عن سوء فهمي، وأرجو ممن عثر على شيء من ذلك أن يصلحه، وأمتثل قول أبي محمد القاسم بن علي الحريري في منظومته النحوية “مُلحة الإعراب”:
وإن تجد عيباً فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
وقال غيره:
فالمرء ذو نقص طبيعي فلا * تعجَبْ إذا عمَّ القصور العقلاَ
فكلنا يُخْطي وكل مبتلى * فنسأل اللهَ الخـتــام الأجمـــلاَ.
وأخيرا أختم الكلام في هذا التقرير بكلمة شكر وعرفان في حق أساتذتي الأجلاء وشيوخي الفضلاء الذين تشرفت بالدراسة على أيديهم منذ صغري إلى الآن، ومنهم أبي الفاضل الذي أبى إلا أن يحفظني كتاب الله أولا قبل كل شيء، ثم شيوخي بالمدارس العتيقة، مرورا بأساتذتي بمدرسة الجيشتمية وثانوية محمد الخامس للتعليم الأصيل بتارودانت، وانتهاء بهذه الكلية العتيدة.
كما أجدد شكري لأستاذي الفاضل الدكتور إبراهيم بن عبلا على إشرافه وحسن توجيهه ونصحه وأسأل الله عز وجل أن يوفقه في حياته العلمية والعملية ويبارك في عمره.
كما أوجه شكري وتقديري لأعضاء هذه اللجنة العلمية الموقرة: أستاذي الفاضل، الدكتور: عبد الله أكرزام، وأستاذي الكريم الدكتور: محمد أمنو البوطيبي، وأستاذي الفاضل، الدكتور: عمر اعميري، وأستاذي الكريم، الدكتور: محمد بوت، فجزى الله الجميع عني خير الجزاء.
وكلي آذان صاغية لكل ما ستدلون به من آراء سديدة، وتوجيهات حكيمة، وتصويبات حسنة، والتي لا شك أنها ستجوده وتصلح عثراته وتخرجه في أحسن صورة وأبهى حلة.
واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به وأن يجعله في ميزان حسناتنا جميعا آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
الباحث المناقَـش: محمد أيت بخليق
0 تعليق