محمد بن بجة الريفي. ورد في: “الروضة السليمانية في ذكر ملوك الدولة الإسماعيلية ومن تقدمها من الدول الإسلامية” (ورقة 111-112).
بعد مقتل القائد الباشا أبي العباس أحمد بن علي بن عبد الله بن حدو الريفي التمسماني في معركة قادها ضد أبي حفص عمر الوقاش التطواني، قال هذا الأخير فيه قصيدته المشهورة، ينعي فيها على أهل الريف فعلتهم ويفتخر على أهل فاس فمن دونهم:
بلغتُ مِن العَلْياء ما كنتُ أرْتَجـي ** وأيامُنا طابَت وغنّى بها الطّير
وناد البشير مفصحا ومصرحًا ** هل أبا حفص فأنت لها البدر
شرعتُ بحَمد الله للمُلك طالبًـا ** وقلت وللمولى المحامد والشكر
أنا عُمر المذكور إن كنت جاهلـي ** فسل تجِدِ التّقديم ليَ ولا فخر
أنا عُمر الموصوف بالجود والسخا ** أنا عُمر المذكور في ورد الجفر
ولم يَبق ملْك مستقرّ بغَرْبنـا ** وعندي انتهى العلم المبرح والسر
أنا عمر المذكور في كل غمرة ** أنا البطل المقدام والعالم الحبر
ضبطتُ البلاد وانتهيت لغيرها ** وعما قريب يعظم الجاه والقدر
ودولة أهل الريف منا تمزقت ** فلم يبق بالتحقيق عندي لها جبر
أذقناهم لما أتوا شرَّ بأسنا ** فآبوا سراعًا والصوارم والسمر
بخف حنين آب عني كبيرهم ** وذكرى مغمور به البر والبحر
وجئت بعدل للعُمرين تابعًـا ** أنا الثالث المذكور بعدهُما وتر
ثم ذكر قائلا: هذا ما يحتمل أن يذكر منها وما بعده لا يكتبه فاضل ولا يسمعه عاقل.
وقد أجابه الفقيه الأديب السيد محمد بن بجة الريفي العرائشي بهذه القصيدة التي أولها:
في صفحة الدهر قد خُطت لنا عبرٌ * منها ادعاء الْحمار أنّه بشرُ
من مرّ عنه الصّبا وما رأى عجبًا **خبْره بعجيب دهره الكبرُ
لا تطمعنك الدجاجيل ببرقشة **ليس الضلال هدى ولا العمى بصرُ
ولا الثّرى كالثريّا في ترقرقها **وإن تكن كاسمها ولا الدُّجَى قمرُ
ولا الذى لم يزل في الغيّ مُنهمكا ** وإن دُعي عُمرا هو الرضا عمرُ
تنضاف للمجد والهزل البشيع بِه ** عُرف قدرُك إذْ أوْدى به البطرُ
ما وجه كونك مثل العُمرين وقد ** فر الحديث فرارًا عنك والسّورُ
ليس التّشبه بالعُمرين قصدك بل ** تبغى النبوءة لولا الصارم الذكرُ
ولو تعامى الورى عنك بأن غفلوا ** لجاءنا بالتنبى في غد خبرُ
لكان أولى بأن تدّعى مسيلمة ** أو المسيح الكذوب لو طرا عورُ
هل أنت إلا كصار حوله ذهب ** فقلتَ عن سفه كلاهما حجرُ
جعلت علمك إذ تهدي به شركا ** كيما يحصل من مرغوبك الوطرُ
وكنت تسعى إلى العليا لتدركها ** ثم انسلخت ككلب حظّه القذرُ
أنى لبلعام أن يرضى ببيعته ** وما دون اللوم أن يخلوَه الكدرُ
وأيّ فخر وفضل ثم أيّ نَدى ** لراح غمر يرى تقبيلها الحُمُرُ
أصبحت مثل الحما المسنون بعد هدى ** من فوق صَفوته أزلقها المطرُ
لا غرو أن كنت في تطوان ذا أُفقٍ **في معشر همج من جلهم بقَرُ
أراك مثل دخان الجوّ يرفعه ** رأي كذوب وفى الأبصار محتقرُ
أنحستَ قومك إذ طلعت ذا زحل **فأمرُهم مذ بزغت بينهم زبُرُ
هلا لهاك عن الغراء أربعة **حوت وكزبَرة والثّومُ والخضَرُ
لكنت نزهت فاسًا أن تمضمضها **بذكرك السوء يا ممقوت يا غدرُ
مَن أنت حتى يراك الناس مشورة! **هل أنت إلا كقِرْدٍ حوله زمَرُ
أنستشير ونهدى في مسالكنا **بأحْيَر من كضب رشده خطرُ
تعيب فاسًا وما حوته مِن بَطل **وفضلها في الورى ما ليس ينحصرُ
لم نفتخر أبدًا على الورى شممًا **وقد يحقّ لنا نعلو ونفتخرُ
أقر كل هِزَبْر أننا أسُد **لسنا لغير إله الكون نفتقرُ
من خاض بحر الوغى منكم وكافحه **وردّ جيشًا أتى كالسّيل ينهمرُ
وردّ عنكم خزايا كنتم عرضا **لسهمها لم تزل ولو قضى العمرُ
وصد بالبيض والسمر على رغُم **عنّا جرادًا من الأبطال ينتشرُ
جالدنا عنْ حضرة حتى غدت حرما **لكل حرّ بها ظل ومستترُ
ليس بأنفسنا ولا بأسيفنا **لكننا ننصر الله فننتصرُ
والأولياء الذين حولنا مدد **كنز لدينا من الرحمن مدخرُ
فإن يمد العدا لنا حبالهم **لذْنا إلى جانب الله فتنبتِرُ
وأنتم تبعدون عنهم جنبا **لدى انكساركم ما ليس ينجبرُ
ما أنصفَ الناسُ أهل الريف وابن علي **لما عفوا عنكمُ حلمًا وقد قَدَرُوا
لولا انثنوا عنكم والحِلم شيمتهم **لم يبق في الفحص من خبثكم ضرر
فررتمُ أين تبغون وقد علقت **بكم براثين أسد في الوغى صبروا
فلا يقيكم ذمام المشركين ولا **بنيان في سبته كلا ولا وَزَرُ
أخبثْ بمن يتّخذ أهل الصليب له **دون الهدى أولياء النصر لا انتصروا
يا راكضًا نحو تطوان على مهلٍ **لا بدّ يرمي بها أقدامك السّفرُ
بلّغ إلى عُمَر الوقاش دامغة **أدْهى من الدهم لا تبقي ولا تَذرُ
كيما تعرّفه كنه حقيقتِه ** وإنه القمم المطروح والقذرُ
تلك الصناديد والأفراس داخلها **لا ما افتريتَ من البهتان يا غدرُ
عليك منها سِلام صائب أبدًا **ما لألأت فيها من إشراقها زهرُ
لولا انثنوا عنكم والحِلم شيمتهم **لم يبق في الفحص من خبثكم ضرر.
لست أدري لماذا الفحص بالتحديد .
بارك الله في مجهوداتكم سيدي يونس ؛ فبكم ستعرف الريف إن شاء الله.